216مواقف خطيرة وفي الذب والدفاع عنهم وعن الدين الجديد. وهذا ما حدث بالفعل، فقد نقلنا تلك الروايات لنلقي الضوء كاملاً علىٰ دور هذا الرجل في إقناع النجاشي وبطارقته بمظلومية المهاجرين وليس هذا فقط بل في عرض الإسلام بشكل واضح وجلي، مبيناً خصائص النبي صلى الله عليه و آله ودوره في دعوة قومه إلىٰ هذا الدين ونبذ عبادة الأصنام. . وكل هذا يحتاج إلىٰ شجاعة وجرأة وقدرة على البيان والمحاورة، وهذه الصفات جمعت في جعفر بن أبي طالب رضوان اللّٰه تعالىٰ عليه، فجعلت رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله يأذن له بالهجرة بل ويأذن له بالبقاء طيلة خمس عشرة سنة تقريباً فقد هاجر سنة خمس من مبعث النبي صلى الله عليه و آله وقدم إلى المدينة سنة سبع من الهجرة، فنال بذلك وسام الهجرتين.
لقد كان بحقّ رجل الإسلام الأول ورجل الحوار الأوّل في تلك البلاد، فمن محاوراته الجميلة التي أحرجت عمرو وصاحبه أمام النجاشي. . ما ذكره صاحب تفسير مجمع البيان: . . قال جعفر: يا أيها الملك سلهم أنحن عبيد لهم؟ فقال: لا، بل أحرار. قال: فسلهم ألهم علينا ديون يطالبوننا بها؟ قال: لا، ما لنا عليكم ديون.
قال: فلكم في أعناقنا دماء تطالبوننا بها؟ قال عمرو: لا. قال: فما تريدون منّا؟ آذيتمونا فخرجنا من دياركم. ولم يكتف جعفر بهذا بل عقبه بذكر النبيّ وأحكام الإسلام.
أيها الملك بعث اللّٰه فينا نبيّاً أمرنا بخلع الأنداد، وترك الاستقسام بالأزلام، وأمرنا بالصلاة والزكاة والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربىٰ، ونهانا عن الفحشاء والمنكر والبغي. . . 1فرسول اللّٰه صلى الله عليه و آله لم يأذن لهم بالهجرة للخلاص بأنفسهم وأهليهم فحسب، وإن كان هذا هدفاً سليماً طالما لم يستطع الدفاع عنهم من ظلم قريش وتعسّفها وهو بعد في أول أمره ولم يؤمر بالجهاد، إلّاأنه كان يريد منهم أيضاً أن يحملوا هذه الرسالة التي جاءت إلى الناس كافة، وأن يكونوا له دعاةً في غير مكّة وبلاد