188ثمّ ردّ الأقوال الثلاثة التي ذكرها فقال: وأمّا من قال: إنّهُ أمنٌ من عذاب اللّٰه تعالىٰ، فإن اللّٰه تعالىٰ نبّه بجعله مثابةً للناس وأمناً علىٰ حُجّته علىٰ خلقه، والأمنُ في الآخرة لا تقام به حجّة.
وأمّا بخصوص عدم إقامة الحد على الجاني فيقول: وأمّا امتناع الحد فيه فقول ساقط؛ لأن الإسلام الذي هو الأصل، وبه اعتصم الحرم، لا يمنع من إقامة الحدود والقصاص، وأمر لا يقتضيه الأصل أحرى ألا يقتضيه الفرع.
أقول: وهذا مردود بأن الإسلام نفسه الذي أمر بالقصاص والحدود له أن يمنع من إقامتها في مكان معين كالحرم، أو يمنع عنها في زمن معين وهذا حقّ له، وهو ما يقتضيه الأصل دون الفرع ولهذا أمر بالتضيق على الجاني في المأكل وأن لا يبايع. .
حتىٰ يضطره للخروج، وعند ذاك يقام عليه الحدّ أما الذي يرتكب جنايته داخل الحرم فيُقام الحد عليه داخله.
فالإسلام لم يجعله آمناً فقط بل ذكر أحكاماً لحفظ هذا الأمن، ورعاية حرمته. . ومن تلك الأحكام - وحتى لا يتمادى المجرم في إجرامه، والسارق في فعله وضلاله، وحتى لا يكون بمنأى عن العقوبة - ترى الشارع المقدّس أمر بالتضيق عليه حتىٰ يخرج منه - بعد أن دخله ليستفيد من نعمة الأمان المتوفرة فيه، التي استغلها - ليُقام الحد عليه.
ثمّ واصل ابن العربي حديثه قائلاً: وأمّا الأمن عن القتل والقتال فقول لا يصح؛ لأنه قد كان فيه القتل والقتال بعد ذلك ويكون إلىٰ يوم القيامة، وإنّما أخبر النبي صلى الله عليه و آله عن التحليل للقتال، فلا جرم لم يكن فيها تحليل قبل ذلك اليوم، ولا يكون لعدم النبوة إلىٰ يوم القيامة، وإنّما أخبر النبي صلى الله عليه و آله عن امتناع تحليل القتال شرعاً لا عن منع وجوده حسّاً.
أقول: إن حصر المراد من الأمن بأن من دخله كان آمناً من التشفي والانتقام أو بأن لا يُقام الحدّ فيه على الجاني أمر لا يتناسب مع آيات الأمن وتأكيدها، وهو