185في (أمناً) : أراد مأمناً أي موضع أمن، وإنما جعله اللّٰه أمناً بأن حكم أن من عاذ به والتجأ إليه لا يخاف علىٰ نفسه ما دام فيه، وبما جعله في نفوس العرب من تعظيمه حتىٰ كانوا لا يتعرضون إلىٰ من فيه فهو آمن علىٰ نفسه وماله، وإن كانوا يتخطفون الناس من حوله، ولعظم حرمته لا يقام في الشرع الحدّ علىٰ من جنىٰ جنايته فالتجأ إليه وإلىٰ حرمه، لكن يضيق عليه في المطعم والمشرب والبيع والشراء حتىٰ يخرج منه فيقام عليه الحد، فإن أحدث فيه ما يوجب الحد أقيم عليه الحدّ فيه؛ لأنه هتك حرمة الحرم، فهو آمن من هذه الوجوه، وكان قبل الإسلام يرى الرجل قاتل أبيه في الحرم فلا يتعرض له، وهذا شيء كانوا قد توارثوه من دين إسماعيل فبقوا عليه إلىٰ أيام نبينا صلى الله عليه و آله 1. .
كما أن رأي الشافعي فيمن دخل البيت من الذين تجب عليهم الحدود، هو أن الإمام يأمر بالتضيق عليه بما يؤدي إلىٰ خروجه من الحرم، فإذا خرج أقيم عليه الحد في الحل، فإن لم يخرج حتىٰ قتل في الحرم جاز، وكذلك من قاتل في الحرم جاز قتاله فيه، واحتج الشافعي بأنه صلى الله عليه و آله أمر عندما قتل عاصم بن ثابت بن الأقلح وخبيب بقتل أبي سفيان في داره بمكّة غيلة إن قدر عليه. قال الشافعي: وهذا في الوقت الذي كانت مكّة فيه محرمة، فدلّ على انّها لا تمنع أحداً من شيء وجب عليه، وأنها تمنع من أن ينصب الحرب عليها كما ينصب علىٰ غيرها.
أمّا أبو حنيفة فقال: لا يجوز، واحتج بهذه الآية: وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً.
وأمّا صاحب المنار الذي أخذ المراغي منه فيقول في تفسير وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً : واذكر أيها الرسول - أو أيها الناس - إذ جعلنا البيت الحرام مثابة للناس وأمناً أي ذا أمن بأن خلقنا بما لنا من القدرة في قلوب الناس من الميل إلىٰ حجّه والرحلة إليه المرة بعد المرة من كل فجّ وصوب ما كان به مثابة لهم، ومن احترامه وتعظيمه وعدم سفك دم فيه ما كان به آمناً. . .