122وفي السجن تظاهر قارتيما بالجنون، فسمح له أن يخرج إلى الشارع وهو ممزّق الثياب، وفي وضع مزرٍ من أوضاع المخبولين المجانين، وليواجه ضحكات الأطفال الذين بدأوا يقذفونه بالحجارة. ولكن ما لبثت إحدىٰ زوجات السلطان الغائب، أن لاحظته ولمحته من إحدى النوافذ المشبكة، وليتكرر الإدعاء أن تلك المرأة وقعت في حب ذلك الشاب الإيطالي الوسيم، كما أحبته الشابة في مكّة من قبل، وعندما عاد السلطان تدخلت السلطانة لمصلحة «قارتيما» ورجت السلطان أن يعفو عنه. . وهو يذكر أن تلك السيدة كانت تقول له: «إذا برهنت أنك رجل جيّد فسوف تصبح أميراً» 1. . ولا ندري كيف يقنعنا «قارتيما» بأن الأميرة تقع في هوىٰ مجنون، فضلاً عن أنّها تراهن عليه أميراً؟ ! ! ، لعلّها في أحسن الأحوال أشفقت علىٰ شبابه وغربته ففسّر ذلك أو حرّفه دسّاً وتشويهاً. . !
وأخيراً، وبالتحديد في كانون الأول (ديسمبر) 1503م استطاع قارتيما أن يركب سفينة إلىٰ سقطرة، ومنها إلى الهند، حيث كان «فاسكودي غاما» قد نجح بالدوران حول رأس الرجاء الصالح سنة 1499م. . ومع السفن البرتغالية عاد «قارتيما» إلى لشبونة، ومنها إلى روما، وفي ايطاليا أثابته جامعة البندقية علىٰ روايته المدهشة المليئة بالأحداث، وحظي برعاية كولونا وسفورزا، وأسبغ عليه الكاردينال كارفاجال حمايته، وهذا الكاردينال هو الذي موّل ترجمة هذه الرحلة الى اللاتينية 2.
وفي عام 1510م، أخبر قرّاءه في المقدّمة أنه بعد أن زار جزءاً من بلدان وجزر الشرق شمالاً وغرباً اعتراه التفكير الجدّي، بعد الاتكال على اللّٰه، أن يذهب لزيارة الأقسام الشمالية من الشرق، ويبدو أنه ليس من المحتمل، أن هذا الرجل الشديد العزيمة والتصميم والحيلة، لم يحاول أن يحوّل نيته هذه إلى العمل الفعلي. . إلّا أنه لم يترك أيّة كلمة تشير إلىٰ هذه الرحلة 3.
وخاتمة حياة «قارتيما» مجهولة كأصله، والأرجح أنه توفي بين 1512