117ويظهر من الرحلة التي دوّنها «قارتيما» أنه رجل أفّاق، متحامل على النبي صلى الله عليه و آله والإسلام، بعيد عن الثقافة والاتزان. ادّعىٰ أنّه اتصل بكثير من المسلمات في رحلاته، ودوّن ملاحظات فيها الكثير من الخلط والخرافات 1والمبالغة. فهو يذكر مثلاً: أن القافلة بلغت وادي سدوم وعمورة، بعد مسيرة اثنين وعشرين يوماً! ! ومن الواضح أنّ ذلك ليس صحيحاً؛ لأن هاتين المدينتين تقعان علىٰ شاطئ البحر الميّت. . وأغلب الظن، إذا أخذنا بعين الاعتبار أيام السير المذكورة، أن المدينتين الواقعتين في ثلاثة أخماس المسافة ما بين دمشق والمدينة، لا يمكن أن تكونا سوىٰ مدائن صالح والعلا، وقد مرّ بهما «قارتيما» متوهّماً أنهما سدوم وعمورة. . . 2وإضافة إلىٰ أسلوب المبالغة الذي طفح على العديد من الأحداث التي رواها، مع حرص واضح علىٰ تشويه سمعة المسلمين والإساءة إليها، فإنه عمد في مواطن عديدة إلىٰ ذكر أحداث يكاد ينفرد بها دون سواه، ومن ذلك ما يرويه في رحلته، إذ يذهب إلىٰ أنه وصل مع القافلة إلىٰ جبل بالقرب من المدينة (المنورة) يسكنه قوم من اليهود، يبلغ عددهم خمسة آلاف نسمة، وهؤلاء قصار القامة لا يزيد الواحد منهم على الخمسة أو الستة أشبار، أو أقل من ذلك بكثير، ولهؤلاء أصوات رقيقة كأصوات النساء، وبشرة تميل إلى السواد، وهم يعيشون علىٰ لحم الماعز، وإذا وقع المسلم بأيديهم يسلخون جلده وهو حي!
وحينما وصل إلى المدينة التي يسميها «مدينة النبي» بقي فيها ثلاثة أيّام، وهو يدّعي أنه دخل الحرم الشريف، الذي يسميه المعبد، ويصفه وصفاً موجزاً، فيقول: إنه مسجد مقبب يدخل إليه من بابين كبيرين، ويحمل سقفه حوالى أربعة مئة عمود من الآجر الأبيض! ! ، وفيه عدد كبير من المصابيح المعلّقة - الثريّات - يناهز الثلاثة آلاف! ! ويشير إلىٰ وجود عدد من الكتب الدينية، في جهة من جهات المسجد التي تحتوي علىٰ تعاليم الديانة الإسلامية وحياة النبي وأصحابه، ثمّ يذكر