116وبعد أن زار حصن بابليون في مصر، علىٰ ما يقول، توجّه لزيارة طرابلس وانطاكية وبيروت ودمشق. وهناك ارتبط بصداقة مع ضابط من ضباط المماليك، فقرر الذهاب إلىٰ مكّة معه، في ضمن موكب الحج السنوي الذي يخرج من دمشق، بكثير من المراسيم والتقاليد 1.
وعلىٰ ما يبدو أن الخطوات التي أقدم عليها «قارتيما» كانت محسوبة بدقّة، ولم تكن محض صدفة. وما يدلل علىٰ ذلك ما ذكره الكاتب البريطاني «بيتر برينت» ، فقد سارع، منذ أول وصوله دمشق، إلىٰ تعلم اللغة العربية، واستعدّ لاستئناف الرحلة جنوباً، ثمّ أمّن لنفسه مكاناً في القافلة الذاهبة إلىٰ مكّة، بعد أن عمل علىٰ عقد عُرى الصداقة مع أحد زعماء المماليك، بما بذل من الهدايا والتودد. وهكذا عينوه حارساً من حرّاس القافلة. ولم ينزعج عندما طلب منه اعتناق الدين الإسلامي. فقد كان ابن النهضة الايطالية البار، في ذلك الزمن الذي تألّق فيه الترف والذكاء، وعندما أصبحت المسيحية تحت رعاية آل مديشي وغيرهم من الأمراء المستنيرين. فلم يكن ليتعثر عند اعتناق دين غريب، وعندما طلب منه اختيار اسم اختار اسم جونه 2.
الطريق الىٰ مكّة
وفي الثامن من نيسان (أبريل) 1503م تحرّك قارتيما إلىٰ مكّة بزي جندي من جنود المماليك، ضمن قافلة الحجاج التي تضم حوالى أربعين ألفاً من الحجاج.
انطلقت القافلة في الصباح الباكر تكتنفهم أصوات الجمال وصرخات سائقي الأبل والغبار المنطلق؛ ليملأ جو ذلك النهار الربيعي. وكان «قارتيما» يراقب كل شيء، وبرفقته ستون حارساً مثله، وهو ممتط صهوة حصانه، وكانت القافلة تسير بشكل متعرّج ملتو، وبدأت تلك الحركات المعقدة في جانبه وخلفه، والتي أكدت له أخيراً أن مغامرته الحقيقية قد بدأت وأصبحت في حيّز الوجود والتنفيذ 3.