53التي تنشرح أفقياً أمامه، وتتمحور حول شاقول يشق أحشاء الكون، فالصورة إذن لم تكن هدفاً بلا وسيلة، ولا هي بلا قوة في التوظيف، ولا قوة بلا فعلية متجسدة في الواقع. . . وعليه فمن أين تبدأ الفعلية المتجسدة؟ إنها تماماً من نفس بؤرة الميقات، وتمتد رجوعاً علىٰ هدى خطّ أفقي إلىٰ بلدة الحاج ووجوده الاجتماعي المباشر المتصل.
المفتاح الرئيس لصور الجمال المكاني في الحج هو مفتاح الميقات بوصفه أو لكونه البؤرة التي تتلاحم فيه عناصر المكان والزمان، ومنه يصلح انفكاك زمان الحج ومكانه. . ويحمل هذا الميقات إشارة للدخول في عالم الحج الخاص ألا وهي إشارة (الإحرام) التي ينطلق لسان التلبية للتعبير عن محتواها الداخلي. . وإذن فهناك صور كثيرة تدل علىٰ جمالية أداء المناسك نقتصر علىٰ صورتين منها:
الصورة الجمالية الأُولىٰ لمكانيّة الحج:
تنطلق فريضة الحج من تصوّر هائل للمكان، ولعل أرقىٰ ما يشير إلىٰ صورة التصور المكاني هذا هي آية « وأذّن في النّاس بالحجِّ يأتوك رجالاً وعلىٰ كلّ ضامرٍ يأتينَ من كلّ فجّ عميق» 1. إذ تكثّف الصورة الفنية في سياق الآية، حركة الإنسان وهي متجهة من الآقاصي، فالضامرات اللواتي حملن الناس من نقاط وأفجاج بعيدة، تدلنا علىٰ رمزية متحركة بسرعة الرهان في ميدان سباق مشهود، وبقدر ما تكون الضامرات قد خاضت تجربة الذهاب إلىٰ بؤرة الميقات، فهذا الأخير يكشف عن مستويين جماليين للآية. . إذ تنحلّ عملية (الاتيان) ومن ثم (يأتين) إلىٰ ممارسة مباشرة مع المكان، وباستثناء الضرورات تصبح رحلة ما بعد الميقات المستوى الدلالي الآخر لرحلة ما قبل الميقات، وهنا تنبع حكمة خط العودة من الحج، ولعلّ انغراس مفردة (ضامر) ومفردة (عميق) في أفق النص