131
مدرسة المدينة بعد غياب الامام علي عليه السلام:
لم تقفل مدرسة المدينة أبوابها بعد هجرة أمير المؤمنين إلى الكوفة عام 35 للهجرة، ثم استشهاده في مسجد الكوفة بعد خمس سنوات من هذا التاريخ، وإنما تعاقبت عليها عدة أجيال من تلامذة الإمام علي وتلامذتهم. إذ امتدت الحركة العلمية في المدينة بأبناء علي من الأئمة عليه السلام، وبتلامذته الآخرين، الذين برز منهم عبداللّٰه بن عباس، الذي باشر تعليم التفسير والحديث والفقه والأدب، وكان مجلسه يكتظ بالدارسين من مختلف الطبقات، قال عطاء: (ما رأيت مجلساً قط أكرم من مجلس ابن عباس، أكثر علماً وأعظم جَفْنة، وأن أصحاب القرآن عنده يسألونه، وأصحاب النحو عنده يسألونه، وأصحاب الشعر عنده يسألونه، وأصحاب الفقه عنده يسألونه، كلهم يصدرهم في واد واسع) 1.
إلّا أن ابن عباس عنىٰ بتعليم التفسير وعلوم القرآن عناية فائقة فعرف به، ومُلِئت المصنفات المبكرة للتفسير بمروياته وآرائه الخاصة. وعمل الوضاعون فيما بعد علىٰ وضع أشياء كثيرة ونسبتها اليه تزلفاً لأبنائه من الخلفاء في العصر العباسي 2. وعلىٰ هذا لا يمكن القول: أن تراث ابن عباس التفسيري يعبر عن روح مدرسة الإمام علي عليه السلام بصورة نقية أمينة، وإن كان ابن عباس نفسه أميناً فيما حكاه عن أستاذه، لكن التشويه والدس الذي ابتُليَت به آثاره في العصر العباسي نأىٰ بها عن المنبع الذي استقت منه، علىٰ أن ابن عباس لم ينفرد في مدرسة المدينة، وإنما سطع فيها نجم الحسن والحسين عليهم السلام، اللذين ورثا ودائع النبوة والعلوم التي نهلها أمير المؤمنين عليه السلام من رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم، ثم أورث الحسين ذلك لولده علي السجاد وصار السلف منهم يوصلها لخلفه، (عن عمر بن يزيد قال أبو جعفر عليه السلام: إن علياً عالِم هذه الأمة، والعلم يتوارث، ولا يهلك أحد منّا إلّا ترك من أهله مَنْ يعلم مثل علمه أو ماشاء اللّٰه) 3. وتؤكد المصادر التاريخية أن