130هذه غير مرة قائلاً: (لولا عليٌّ لهلك عمر) ، و (لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن) ، و (لا يُفتين أحد في المسجد وعليّ حاضر) 1.
من هنا يتبين أنه كان المدرس الأول في المدينة المنورة، فإن (أمير المؤمنين علَّمَ في مجلس واحد أربعمائة باب، مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه) 2. وكان هو منهل العلم الذي استقىٰ منه عدد وفير من الصحابة والتابعين المعارف الاسلامية، واليه ينتهي تأسيس جملة من العلوم الإسلامية، يقول ابن أبي الحديد المعتزلي: (ومن العلوم علم تفسير القرآن، وعنه أُخِذَ، ومنه فُرِّع. وإذا رجعت إلىٰ كتب التفسير علمت صحة ذلك، لأن أكثره عنه وعن عبداللّٰه بن عباس، وقد علم الناس حالَ ابن عباس في ملازمته له، وانقطاعه اليه، وأنه تلميذه وخرّيجه. وقيل له: أين علمك من علم ابن عمّك؟ فقال: كنِسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط.
ومن العلوم علمُ الطريقة والحقيقة وأحوال التصوف، وقد عرفت أن أرباب هذا الفن في جميع بلاد الاسلام اليه ينتهون، وعنده يقفون، وقد صرّح بذلك الشِّبْلي، والجُنَيد، وسَري، وأبو يزيد البِسْطامي، وأبو محفوظ معروف الكرخي، وغيرهم. . . ومن العلوم علم النحو والعربية، وقد علم الناس كافة أنه هو الذي ابتدعه وأنشأه، وأملىٰ علىٰ أبي الأسود الدؤلي جوامعه) 3.
في ضوء ذلك يتضح أن الإمام علي عليه السلام مكث في المدينة المنورة بعد وفاة رسول اللّٰه مدة ناهزت عقدين ونصف العقد عكف فيها علىٰ غرس بذرة العلوم الإسلامية، واعداد جيل من التلامذة كعبد اللّٰه بن عباس المعروف بحبر الأمة، أسهم هذا الجيل فيما بعد في الامتداد بمدرسة علي عليه السلام من المدينة إلىٰ بقية الأمصار الإسلامية، وتنمية العلوم التي غرسها. ومثلما كان للإمام علي الريادة في إرساء أسس مدرسة المدينة المنورة، والسهر علىٰ تربية طائفة من التلامذة من ذوي البصائر، كذلك فعل الشيء نفسه لما بويع بالخلافة واتخذ من الكوفة عاصمة له.