67وسُئل عليه السلام عن السائحين، فقال: «هم الصائمون» فجعل صلى الله عليه و آله و سلم الحجَّ رهبانيةً لهذه الأُمّة، فشَرَّفَ البيتَ العتيقَ باضافته إلى نفسه، ونَصَبه مَقْصداً لعبادة، وجَعَلَ ما حولَه حرماً لبيته؛ تفخيماً وتعظيماً لشأنه، وجَعَلَ عرفاتٍ كالميدان علىٰ باب حَرَمه، وأكَّدَ حرمةَ الموضعِ بتحريم صَيْده وشَجَره، ووَضَعه علىٰ مثال حَضرة الملوك يَقْصِدُه الزُوَّار مِن كلِّ فّجٍ عميق 1شُعْثاً غُبْراً متواضِعينَ لربِّ البيت، مُسْتَكينينَ له؛ لجلاله واسْتِكانةً لعزَّته - مع الاعتراف بتنزيهه سبحانه عن أنْ يَحْوِيه مكانٌ - ليكون ذلك أبلغَ في رَقّهم وعُبوديّتهم.
ولذلك وَظَّفَ عليهم فيها أعمالاً لا تَأنَسُ بها النفوسُ ولا تَهْتَدي لمعانيها العقولُ، كرَمْي الجِمار بالأحجار، والتردُّدِ بينَ الصفا والمروة علىٰ سبيل التَكرار، وبمثل هذه الأعمالِ يَظْهر كمالُ الرَقّ والعبوديَّةِ بخلاف سائر العبادات كالزكاة التي هي إرفاقٌ من وجه معلوم، وللعقل إليه ميل، والصَوْمِ الذي هو كَسْرٌ للشهوة - التي هي [ آلة ] 2عدوّ اللّٰه وتفرّغٌ للعبادة بالكفِّ عن الشواغلِ، وكالركوع والسجود في الصلاة التي هي تواضعٌ للّٰهسبحانَه.
وأمّا أمثال هذه الأعمال فإنّه لا اهتداءَ للعقل إلىٰ أسرارها، فلا يكون في الإقدام عليها إلّاالأمرُ المجرَّدُ وقصدُ امتثاله مِن حيث هو واجب الاتّباع فقط، وفيه عَزْلٌ للعقل عن تصرُّفه وصرفُ النفسِ والطبعِ عن مَحلِّ اُنسه المعينِ على الفعل. وإذا اقْتَضَتْ حكمةُ اللّٰه سبحانه وتعالىٰ ربطَ نَجاةِ الخلق بكون أعمالهم على خلاف أهْويةِ طِباعهم، وأنْ تكون أزمّتُها بيد الشارع فيَتَردَّدون في أعمالهم علىٰ