66
وأما الخاتمة:
فتشتمل علىٰ جملةٍ موجزَةٍ في وظائف الحجِّ القلبيَّةِ يَحْسُنُ فَهْمُها وتَذكرُها لمَنْ أرادَ الحجَّ مِن العالَمين قد أخرجها الحقُّ سبحانَه على لسان بعضِ الكاملين 1:
اعلم أنّ أوّل الحجِّ فهمُ موقع الحجِّ في الدين، ثمّ العزمُ عليه، ثمّ قطعُ العلائق المانعة عنه، ثمّ تهيئةُ أسباب الوصول إليه من الزاد والراحلة، ثمّ السيرُ، ثمّ الإحرامُ من الميقات بالتلبية، ثمّ دخولُ مكّةَ، ثمّ استتمامُ الأفعال المشهورة. وفي كلِّ حالةٍ من هذه الحالات تذكرةٌ للمتذكِّر، وعِبرةٌ للمعتبرِ، وتنبيهٌ للمريد الصادق، وإشارةٌ للفَطِن الحاذِقِ إلىٰ أسرارٍ يَقِفُ عليها بصفاء قلبه وطهارة باطنه إنْ ساعَدَه التوفيق.
فاعلم أنّه لا وصولَ إلى اللّٰه سبحانه وتعالىٰ إلّابتنحية ما عداه عن القصد مِن المشتَهياتِ البدنيةِ واللَذّات الدنيويةِ، والتجريِد في جميع الحالات والاقتصارِ على الضرورات. ولهذا انْفَرَد الرُهبانُ في الأعصار السالفة عن الخلق في قُلَل الجبال؛ توحُّشاً مِن الخلق وطلباً للانُس بالخالق، وأعرضوا عن جميع ما سِواه، ولذلك مَدَحَهم اللّٰه تعالىٰ بقوله: « بأنّ مِنْهُم قِسّيسينَ ورُهباناً وَأنَّهُمْ لا يَسْتَكبِرون» 2. فلمّا انْدَرَس ذلك وأقبل الخلقُ علىٰ اتّباع الشَهَوات والإقبال على الدنيا والالتفات عن اللّٰه تعالى بَعَثَ اللّٰه نبيّاً محمداً صلى الله عليه و آله و سلم لإحياء طريق الآخرة وتجديدِ سُنَّةِ المرسلين في سلوكها، فسَألَه أهلُ الملل عن الرُهبانيّة والسِياحة في دينه فقال:
أبْدَلَنا [ اللّٰه ] 3بها الجهادَ والتكبيرَ علىٰ كلِّ شَرَفٍ» يعني الحجَّ.