229بنو إسرائيل لموسىٰ: « اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون» ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرتَ بنا إلى برك الغِماد (أو تل العماد، يعني مدينة الحبشة) لجالدنا معك من دونه حتىٰ تبلغه، . . فاستبشر رسول اللّٰه بذلك، وأشرق وجهه، ودعا لي بخير.
وسميتُ عند بعضهم ب «صاحب المقال المحمود» إشارة إلى قولي هذا لرسول اللّٰه صلى الله عليه و آله، ودفع مقالي ذاك أيضاً الأنصار إلى قولهم: فتمنينا نحن لو أنّا قلنا كما قال المقداد، أحبُّ إلينا من أن يكون لنا مالٌ عظيم. . . .
كما حمل موقفي ذاك وقولي كبارَ الصحابة على الإشادة به وإكباره وتمنوه، فهذا الصحابي الجليل عبد اللّٰه بن مسعود يقول: لقد شهدت من المقداد مشهداً لأن أكون أنا صاحبه أحبّ إليّ مما في الأرض من شيء؛ كان رجلاً فارساً، وكان رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله إذا غضب احمارّت وجنتاه، فأتاه المقداد علىٰ تلك الحال، فقال: «أبشر يا رسول اللّٰه! فواللّٰه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسىٰ: « اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون» ولكن والذي بعثك بالحق. . . لنكوننّ من بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك، أو يفتح اللّٰه لك.
ثم قام سعد بن معاذ عن الأنصار فقال: . . . بأبي وأُمي يا رسول اللّٰه! إنّا قد آمنّا بك وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند اللّٰه فمرنا بما شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، واترك منها ما شئت، واللّٰه لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك، ولعلّ اللّٰه - عزّ وجلّ - أن يريك منّا ما تقرّ به عينك، فسر بنا علىٰ بركة اللّٰه.
ففرح رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله بما سمع من أصحابه، وقال: «سيروا علىٰ بركة اللّٰه، فإنّ اللّٰه عزّ وجلّ قد وعدني إحدى الطائفتين، ولن يخلف اللّٰه وعده، واللّٰه لكأني أنظر إلى مصرع أبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة