228ووسائل قمعها، وسياط تعذيبها، فنالت من أبداننا وأجسادنا شيئاً عظيماً، لكنها لم تنل من عقيدتنا وصمودنا وثباتنا أبداً، كنا نزداد قوّة أمام قوّتها، وشموخاً عظيماً وعزّة إزاءَ طغيانها وجبروتها.
ولما رأى رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله ما حلّ بنا، واشتداد أذى قريش علينا وملاحقتها لنا أمرنا بالهجرة إلى الحبشة حيث قال: «لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإنّ بها مَلكاً لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتىٰ يجعل اللّٰه لكم مخرجاً مما أنتم فيه. . .» .
فكنتُ مع نحو ثمانين من المهاجرين، ممن وطأت أقدامهم أرض الحبشة حيث وجدنا ما قاله لنا رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله مَلكاً عادلاً، أحسن ضيافتنا، ورفض تسليمنا إلى وفد المشركين من قريش الذي أتبعنا. . . ثمّ عدنا إلى مكة ودخلها كلّ واحد منّا تحت أمان وعهد زعيم من زعمائها، وكبير من كبرائها، فعدتُ مرّة أُخرىٰ حليفاً لأحدهم. . . .
هاجر رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله إلى يثرب وتبعه جمع من الصحابة، ولم أتمكن من اللحاق به صلى الله عليه و آله حتىٰ أعدت قريش سرية قتال التحقتُ بها مع صاحبي عتبة بن غزوان - وكان هدفهم قتال سرية أرسلها رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله بقيادة حمزة بن عبد المطلب، فلما اقتربنا منها انحزنا إليها والتحقنا بإخواننا الذين سبقونا إلى يثرب.
وفي المدينة لم يدم انتظارنا لقتال المشركين طويلاً حيث تناهت إلينا أخبار عن استعداد مشركي مكة لقتالنا، وجاءوا بجيش فاق عددنا كثيراً. فأقبل رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله علينا ونحن مجتمعون يحدث بعضُنا بعضاً عن الأخبار تلك، وقال:
«. . هذه مكة قد أَلقت إليكم أفذاذ أكبادها. . فما ترون في قتالهم؟» فتحدث عدد من الصحابة حتىٰ جاء دوري فقلتُ:
يا رسولَ اللّٰه اِمضِ لما أمرك اللّٰه فنحن معك، واللّٰه لا نقول لك كما قالت