227وقد احتواني العراء الواسع، سرحتْ عيناي فيما يحيطني من جهات، حتىٰ وقع بصري علىٰ شيء، دققتُ النظر فيه من بعيد. . إنّه مضارب بني زهرة، القبيلة التي عرفت بمنعتها بين قبائل العرب.
أسرعتُ نحوهم، أويتُ إليهم، وألقيت رحلي عندهم، لم يكن لي خيارٌ إلّاأن أُحالف الأسود بن عبد يغوث الزهريّ، الذي صرتُ اُدعى باسمه حتىٰ نزل قوله تعالى: « ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند اللّٰه» 1. فعدتُ إلى اسمي (المقداد بن عمرو بن ثعلبة. . .) ولكني بقيت معروفاً ب «ابن الأسود الكندي» ، وبقي هذا يلازمني طيلة حياتي وبعد مماتي.
كنيتي: أبو الأسود، وأبو عمر، وأبو معبد أحبُّ كناي إليّ، لأنّ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله كان يدعوني أبا معبد.
أما صفاتي: فقد كنتُ طويلَ القامة، بطيناً عظيمَ الجثة، قويها، حينما أعلو فرسي تكاد رجلاي تخطّان الأرض، أما شعر رأسي فكثير، ولحيتي فكثيفة. . و ختاماً فإنّ اللّٰه - تعالى - منَّ عليّ بهيئة مهابة.
عشت ردحاً في مضارب بني زهرة، فاقداً لحقوق كثيرة - يتمتع بها أبناء القبيلة - وهذا شأن كلّ محالف.
رافضاً حالة السلب والنهب، والغزو بغير حقّ، نابذاً عادات الجاهلية المقيتة التي لم تجد رضاً وقبولاً عندي، وكم تمنّيت أن أجد مَن يشاطرني ذلك كلّه، ويشاركني الرأي. . فكانت الفرصة، إنّها لقائي بعمار بن ياسر وتعرفي عليه، فانشتشلني من ذاك الضياع، بعد أن سبقني إلى نور الإسلام، وعظمة الإيمان.
اصطحبني معه في جوف الليل إلى دار الأرقم حيث رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله والمؤمنون.
أعلنتُ إسلامي بين يديه صلى الله عليه و آله فتخلّصتُ نفسي من ظلام الجاهلية. وتغيرت حياتي، فقد ملأ الإيمان قلبي، وأضاء التوحيد بصيرتي، وأخذتُ أروي ظمأي منه وأنهل من معين الإسلام بنهمٍ وشوق عظيمين. حتى صرتُ من الأوائل الذين أظهروا إسلامهم، فتصدّت لنا قريش بكلّ جبروتها،