15عن البلد، حتىٰ بفقدان واحدة من تلك الثلاثة. وما ألطف مقولة مصلح الدين سعدي الشيرازي في هذا المجال: «لا أقوىٰ على العيش بعناء علىٰ أني ولدت هنا» .
إذن ليس بوسع العاقل أن يحيا في مدينةٍ، تفتقد أركان المدنيّة هذه.
قال الإمام عليُّ بن أبي طالب عليه السلام: «ليس بلد أحقّ لك من بلد، خير البلاد ما حَملك» 1؛ نعم، خير البلاد وأفضلها ما كان يضمن إمكانية التطور والنمو للإنسان.
لقد لاحظ الأنبياءُ الإبراهيميّون أن النبيَّ إبراهيم عليه السلام قد أولىٰ عناية خاصة أيضاً بالركن الرابع عند دعائه: اللهم! اجعله بلداً من جهة، وآمناً من جهة أخرىٰ، وذا اقتصاد سليم من جهة ثالثة، إلّاأنّ الفضائل الثقافية والمزايا الأخلاقية أيضاً ضرورية ولازمة لنموّ الإنسان ورقّيهِ، لكي لا تنفر القلوب عن هذه البلاد، فضلاً عن ولوهها إليها.
أجل، فقد اعتبر مهندس المدنيّة والحضارة إبراهيم الخليل عليه السلام هذه الأصول الأربعة لازمةً وضروريةً لتأسيس أمّ القرىٰ.
المحور الأساس لهذه الأركان:
إنّ المحور الأساس والقطب الذي تدور في فلكه هذه الأركان الأربعة، والعنصر البنّاء الذي يجعل بلداً ما أمناً، ويمتلك اقتصاداً سليماً، مؤمِّناً حرية الناس وجاعلاً أفئدتهم تهوي إليه، ذلك العنصر هو الحكومة المتبلورة في ظل الوحي، وقيادة الإنسان الكامل (المعصوم) ، الحكومة المتشكّلة في ظل سلطة رجل الدين والسياسة، المدير والمدبّر، والواعي، وفي ظل القانون المدوّن علىٰ أساس التوجيهات السماوية.
ومن هنا، فإن إبراهيم الخليل عليه السلام لم يجعل من هذا المعنى وهذا العنصر ركناً