105هذا من جهة. ومن جهة ثانية فإنّ فريضة الحج ترتبط بمكة دون سواها، وهذا ما يمنحها درجة إضافية من التقديس والإحترام الذي يكنه لها مليار مسلم - أي خمس البشرية المعاصرة - ولا توجد مدينة أخرى في الأرض يمكنها أن تستنفر هذا القدر الكبير من المشاعر الإنسانيّة الصادقة، وتجذب حولها قلوب هذا العدد من الناس. أضف الى ذلك أن مكة تقع في منطقة كانت منطلقاً للتأريخ الإنساني برمته، ومحطة لأعقد صراعات العالم، وهي منطقة الشرق الأوسط.
وكلّ ذلك من شأنه أن يجعل مكّة مركزاً مهمّاً في الحياة الدولية.
قال تعالى:
«جعل اللّٰه الكعبة البيت الحرام قياماً للناس والشهر الحرام. . .» 1.
فبالكعبة والشهر الحرام - أي بالبعد الزماني والبعد المكاني من الحج - قوام الحياة الإنسانيّة وسندها؛ لأنّهما يعطيان الإنسان التوحيدَ حتّىٰ يستقيم عقله، والأمن حتّىٰ يهنأ عيشه.
ثالثاً: البعد التوحيدي العرفاني:
إنّ البعد التوحيدي والعرفاني هو البعد الأرسخ في الحج. إذ ليس الحج في الجانب الأوضح منه إلّاكتلة متماسكة من الممارسات والشعائر، التي تكرس عقيدة التوحيد في شخصية المسلم؛ فالطواف، والسعي، ورمي الجمار، وغير ذلك من واجبات الحج وشعائره. كلٌّ ذات مفهوم توحيدي خالص، الغرض منها تركيز الحسّ التوحيدي عند الإنسان المسلم.
وقد عرفنا فيما سبق أن التوحيد عقيدة ذات مضمون سلمي؛ لأنها تزرع السلم حقيقة في داخل الإنسان، وتشيعه نهجاً في حياته الاجتماعية، لذلك كان السلام اسماً من أسماء اللّٰه، واسماً من أسماء الجنّة، وشعاراً للمؤمنين في دار الدنيا