106ودار الآخرة. كما أنّه الشعار الذي يهتف به المسلم من أعماقه في كلّ يوم خمس مرّات في خاتمة صلواته الخمس، حيث يسلم أولاً على النبيّ قائلاً: السلام عليك أيها النبيُّ ورحمة اللّٰه وبركاته، ليؤكّد بقاءَه مؤمناً بهذا النبيّ، ولن يكون محارباً له، ويسلّم ثانياً على نفسه، وعلى المؤمنين، فيقول: السّلام علينا وعلى عباد اللّٰه الصالحين. فالسلام الاجتماعي يبدأ من السلام الداخلي للإنسان. ثمّ يؤكد السلام العام مرّة ثالثة فيقول: السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته.
ولقد كان الحج فريضة بدأ تشريعها منذ النبوة الإبراهيمية التي وظفت بشكل خاص لإرساء قواعد التوحيد وترسيخها في الأرض، ولم تنشغل بقضية أخرى كانشغالها بهذه القضية. والأديان التوحيدية الثلاثة اليهودية والنصرانية والإسلام إنّما تنهل من انجازات تلك النبوّة المباركة التي كان لها الفضل المشهود على كلّ موحّد.
وإذا كانت تلك النبوّة قد ربطت بين التوحيد والحج من جهة، فإنّها ربطت من جهة أخرى بين التوحيد والأمن. فقدنقل القرآنالكريم علىٰ لسان إبراهيم عليه السلام دعاءَه إلىٰ اللّٰه - سبحانه - قائلاً: «وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام» 1.
وهكذا فإنّ الحرم المكي يمثل الرمز المشترك لكلّ من التوحيد والأمن.
وفي إحدى الروايات نجد تفسيراً رائعاً للعلاقة بين إحدى الشعائر التوحيدية في الحج والأمن. قال الإمام الصادق عليه السلام: «ما من بقعة أحبّ إلىٰ اللّٰه - عزّوجل - من السعي؛ لأنّه يذلّ فيه كلّ جبار عنيد» وقال عليه السلام: «جعل السعي بين الصفا والمروة مذلّة للجبارين» 2.
فإنّ هذه الشعيرة التي تكرس العبودية المطلقة للّٰه- سبحانه وتعالى - والخضوع له. تلغي ذلك المحور (الطغيان والتجبر) أيضاً؛ لأنّ السعي مذلة للطغاة