104الصراعات الدولية المختلفة.
وإذا كان الغرب قد اتّخذ من جنيف مركزاً لعقد المؤتمرات الخاصة بالسلم والأمن، وفضّ النزاعات الدولية واتّخاذ القرارات والمواقف اللازمة لدعم الأمن العالمي، فإنّ الإسلام قد سبق الغرب في هذا المجال. بل إنّ إبراهيم الخليل عليه السلام - الذي رفع القواعد من البيت، وطلب من اللّٰه - سبحانه وتعالى - أن يجعل مكة بلداً آمناً قبل أربعة آلاف سنة - يعدّ المؤسس الأوّل لهذه الفكرة. قال تعالى:
«وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام» 1.
على أنّ اختيار الإسلام لمكة أرجح بكثير من اختيار الغرب لجنيف، فإنّ القانون وحده لم يكن - يوماً - كافياً لحلّ مشكلة من المشاكل الإنسانيّة، فكيف إذا كانت هذه المشكلة هي مشكلة الأمن العالمي، التي ليست هناك مشكلة أعقد منها في دنيا السياسة؟ فلا مناص، إذن، من وجود قاعدة روحية أخلاقية تملأ الحياة الإنسانيّة بإشعاعاتها الإيجابية لأيحلّ قانوني يفترض، لتعمل بشكل إيجابي يخدم قضية السلم العالمي، إمّا في عمق وجدان أهل الحلّ والعقد من أطراف الصراع، وإمّا في وجدان الجماهير التابعة لهم؛ لتكون قوّة سياسية ضاغطة عليهم بهذا الاتجاه. وليس هناك من يضمن وجود هذه القاعدة الروحية الأخلاقية غير الإسلام، كما أنه ليس في دنيا الإسلام مدينة يمكنها أن تستثير المشاعر الروحية والأخلاقية، وتجعلها فوّارة متدفّقة ومؤثرة، كمكّة، مركز التوحيد، وموطن الكعبة، التي خلقها اللّٰه - سبحانه وتعالى - أوّلاً ثمّ مدّ الأرض من حولها، والتي كان آدم قد أتى إليها ألف مرّة علىٰ قدميه، والتي اختارها اللّٰه من الأرض، فهي خيرته من أرضه، ويقوم الدين ما قامت، والتي حجت الملائكة إليها قبل آدم بألفي عام، كما في الأخبار عن أهل البيت عليهم السلام 2.