103«كلّ ظلم إلحاد، وضرب الخادم في غير ذنب من ذلك الإلحاد» 1.
وقال عليه السلام: «كلّ ظلم يظلمه الرجل نفسه بمكّة من سرقة أو ظلم أحد أو شيء من الظلم، فإنّي أراه إلحاداً، ولذلك كان يتّقي الفقهاء أن يسكنوا مكّة» 2وقد سار العرب قبل الإسلام على تقديس مكّة واحترامها، ومنع وقوع القتال فيها، وكان شاعرهم يقول: إنّ الفضول تعاقدوا وتعاهدوا أن لا يقرّ ببطن مكة ظالم
ولم يكن لبيوت المكيين مصاريع بفضل الأمن الذي كان تنعم به مكة، والتزام المكيين واجب الضيافة تجاه الوافدين عليهم من الأقطار الأخرى.
إنّ عناية الإسلام بمنطقة معيّنة من العالم، وتحريمها عسكرياً، وعزلها عن السلاح، ثمّ ربط الحج كفريضة ذات مضمون سلمي بها، حيث تفد عليها سنوياً جموع هائلة من الحجيج، ومن ورائهم قلوب المسلمين كافة، تتطلع إلى هذه المنطقة روحياً وترتبط بها معنوياً في أيام الحج. تعكس مستوى الرقي في هذا الدين، ومدى اهتمامه بالسلم والطبيعة العملية لما يتّخذه من اجراءات في هذه المضمار.
فإذا كانت الأرض كلّها مفتوحةً أمام الحروب والنزاعات التي تمزق المجتمع الإنساني، فلماذا لا تعزل من الكرة الأرضية منطقة تعدّ منزوعة السلاح، يحرم فيها القتال والعدوان؟ وإذا كانت أيام السنة كلّها يمكن القتال فيها، فلماذا لا نعزل منها أربعة أشهر حرم تكون فرصة أمام الطرفين للتثبت من براءتهم فيما يتّخذونه من مواقف قتالية؟ ثم يلتقي الزمان الحرام بالمكان الحرام في فريضة الحج التي تزيدهما حرمة، وتجعل الشعور السلمي يصل ذروته، وتحوّل مكة إلى مركز لبث الروح السلمية في العالم، وخلع النزعة العدوانية عنه. وما أحوج البشرية في هذا الزمان - وفي كلّ زمان - إلىٰ بقعة من الأرض تتخذها مركزاً لحلّ