102إسلاميّ يقوم بدور القدوة الحسنة في هذا المجال من جهة ثانية.
وقد كان لهذه الدعوة أثر بالغ في الحياة الاجتماعية للمسلمين. فقد كان المرء يرى قاتل أبيه، أو أخيه في الحرم المكي فلا يتّخذ ضدّه إجراءً، مع شدة التزام العرب تقاليد الثأر. وهذا ما يمكن عدّه دليلاً على إمكان أن يلعب مبدأ الحرم المكي دوراً مماثلاً على صعيد الأمن والسلم في العالم.
ولتأكيد الأهمية الأمنية لمكّة المكرّمة، عدّ القرآن الكريم كلّ لون من ألوان الظلم في مكة إلحاداً، وعدّ أيضاً الهمّ بذلك الظلم بمثابة القيام به من حيث استحقاق العقوبة عليه، بينما لم يأخذ بهذه الدرجة من الشدّة في البقاع الأخرى من العالم. وذلك ما يحمل دلائل واضحة على ضرورة عدم الاكتفاء بمرحلة سلم الجوارح، بل لابدّ من أن يكون المسلم في مركز التوحيد، وقد وصلت عنده المشاعر السلمية والأمنيّة درجة من النضج بحيث تستولي على قلبه أيضاً، وتمنعه من أن يخطر عليه الهمّ بالظلم والرغبة فيه.
فإذا كان المسلم في باقي الأرض هو مَن سلم الناس من يده ولسانه، فإنّ المسلم حينما يكون في مكّة المكرّمة يطلب منه أن يسلم الناس من يده ولسانه وقلبه، وأن يبلغ مرحلة سلم الجوارح والجوانح؛ لأنّ النزوع نحو السلم يجب أن يتناسب مع درجة التوحيد التي يصل إليها المؤمن. ولما كان المطلوب من المسلم أن يكون في مكة قد وصل إلى ذروة ما يمكنه الوصول إليه من التوحيد، فلابدّ من أن يكون نزوعه السلمي قد بلغ أوجه أيضاً. وهذه هي المعادلة التي جعلت الحرم المكي يمتاز على باقي بقاع الأرض بهذه الأبعاد السلمية المركزة.
قال تعالى: «ومَن يرد فيه بظلم بإلحاد نذقه من عذاب أليم» 1.
قال ابن مسعود: ما من بلد يؤاخذ العبد فيه بالهمة قبل العمل إلّامكّة.
وتلا هذه الآية. . . ونسب إلى الإمام الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية قوله: