90فإن جاءَ الجِدّ فهو ليثُ غابٍ وصِلُّ وادٍ، لا يدلي بحجّة حتّى يأتي قاضياً، وكان لا يلومُ أحداً على ما يجد العذر في مثله حتّى يسمع اعتذارَه، وكان لا يشكو وجعاً إلّاعند برئه، وكان يفعل ما يقول ولا يقول ما لا يفعل، وكان اذا غلب على الكلام لم يغلب على السكوت، وكان على ما يسمع أحرص منه على أن يتكلّم، وكان إذا بدهه أمران نظر أيّهما أقرب إلى الهوى فخالفه. فعليكم بهذه الأخلاق فالزموها وتنافسُوا فيها، فإن لم تستطيعوها فاعلموا أنّ أخذ القليل خيرٌ من ترك الكثير 1.
والمشار إليه ب (كان لي فيما مضىٰ أخ في اللّٰه) عثمان بن مظعون على أحد الأقوال، وقيل: أبوذر، وقيل:
غيرهما 2.
ويدلّ على أن المراد بالأخ هنا عثمان بن مظعون ما ورد من وصف أمير المؤمنين لعثمان بالأخ، كقوله عليه السلام في وجه تسمية ولده بعثمان: إنّما سمّيته باسم أخي عثمان بن مظعون 3.
وكان عثمان بن مظعون من الملازمين لأمير المؤمنين عليه السلام، حتّى نشاهد أنّ اكثر الآيات النازلة في حقّ عثمان هي في حقّ عليّ عليه السلام وسائر أصحابه.
ولو كان من المقدّر أن يبقى عثمان بعد وفاة رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم لكنت تراه يقف موقف سلمان وأبي ذر وعمار والمقداد في قِبال الأحداث، و لشاهدته من حواري أميرالمؤمنين عليه السلام.
تعذيب قريش لعثمان وهجرته وزهده:
وبعد أن أسلم عثمان (قدّس اللّٰه روحه) وأعلن إسلامه، واجهته قريش بالأذىٰ والسطوة، كما هو ديدنها مع رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم وأصحابه. وكانت بنو جُمح تؤذي عثمان وتضربه وهو فيهم ذو سطوة وقَدْر 4.
ولمّا اشتدّ أذىٰ المشركين على الذين أسلموا، وفتن منهم من فتن، أذن اللّٰه سبحانه لهم بالهجرة الأولى إلى أرض الحبشة، التي كانت متجراً لقريش يجدون فيها رفقاً من الرزق وأماناً. فخرجوا متسلّلين سرّاً، وأميرهم عثمان بن مظعون، فيسّر اللّٰه لهم ساعة وصولهم إلى الساحل سفينتين للتجار، فحملوهم فيها إلى أرض الحبشة، وخرجت قريش في أثرهم، ولمّا وصلوا البحر لم يدركوا منهم أحداً.
ومكث عثمان بن مظعون وأصحابه في الحبشة، حتّى بلغهم أنّ قريشاً قد أسلمت، فأقبلوا نحو مكة، وما إن اقتربوا منها حتّى عرفوا أنّ قريشاً لم تسلم، وأنها ما زالت على عدائها لرسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم فثقل عليهم