78وفي السيرة للذهبي:
فلبثت بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين. . . وقال محققه في هامشه: قال الحافظ أبو الحسن أحمد بن يحيى البلاذري، عن المدائني، عن أبي زيد الأنصاري، عن أبي عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس قال: حصرنا في الشعب ثلاث سنين، وقطعوا عنّا الميرة حتى إن الرجل ليخرج بالنفقة فلا يبتاع شيئاً حتى مات منّا قوم» 1.
وجاء في الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم:
ودخل بنو هاشم الشعب - شعب أبي طالب - ومعهم بنو المطلب بن عبد مناف، باستثناء أبي لهب لعنه اللّٰه وأخزاه، واستمروا فيه الىٰ السنة العاشرة. . . ووضعت قريش عليهم الرقباء حتى لا يأتيهم أحد بالطعام. وكانوا ينفقون من أموال خديجة وأبي طالب حتى نفدت، حتى لقد اضطروا الىٰ أن يقتاتوا بورق الشجر. وكان صبيتهم يتضاغون جوعاً ويسمعهم المشركون من وراء الشعب، ويتذاكرون ذلك فيما بينهم. . . ولم يكونوا يجسرون على الخروج من شعب أبي طالب إلّا في موسم العمرة في رجب، وموسم الحج في ذي الحجة، فكانوا يشترون حينئذٍ ويبعيون ضمن ظروف صعبة جداً. . . وقد استمرّت هذه المحنة سنتين أو ثلاثاً. . . وكان علي امير المؤمنين عليه السلام اثناءها يأتيهم بالطعام سراً من مكة، من حيث يمكن، ولو أنهم ظفروا به لم يبقوا عليه كما يقول الاسكافي وغيره 2.
وجاء في أعلام الورى:
. . . فلما بلغ ذلك أبا طالب جمع بني هاشم ودخل الشعب وكانوا أربعين رجلاً، فحلف لهم أبو طالب بالكعبة والحرم والركن والمقام لئن شاكت محمّداً شوكة لأثبنَّ عليكم يا بني هاشم وحصّن الشعب وكان يحرسه بالليل والنهار . . . وكانت خديجة لها مالٌ كثيرٌ فانفقته على رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم في الشِّعب 3.
وكتب اليعقوبي (م 293 ه) في هذا الصدد:
ثم حصرت قريش رسول اللّٰه وأهل بيته من بني هاشم وبني المطلب ابن عبد مناف في الشعب الذي يقال له شعب بني هاشم بعد ستّ سنين من مبعثه فأقام ومعه جميع بني هاشم وبني المطلب في الشعب ثلاث سنين حتى أنفق رسول اللّٰه ماله وأنفق أبو طالب ماله وأنفقت خديجة بنت خويلد مالها، ثم نزل جبرئيل على رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم فقال:
انّ اللّٰه بعث الأرضة على صحيفة قريش فأكلت كل ما فيها من قطيعة وظلم الّا المواضع التي فيها ذكر اللّٰه 4.
إن الوضع المهلك الذي آل إليه النبي صلى الله عليه و آله و سلم وأصحابه، حرّك نفراً من قريش لنقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم، فنهض هشام بن عمرو مع زهير بن أبي اُميّة، ومطعم بن عدي، وابو البختري، وزمعة بن أسود بن المطلب، فاتعدوا له خَطمَ الحجون الّتي بأعلى مكة فاجتمعوا هنالك وأجمعوا أمرهم وتعاهدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها 5.
أقول: يقع شعب الحجون في نفس الموضع الذي فيه الآن مقبرة أبيطالب، وكان قبل الاسلام مقبرة أيضاً، وبالنتيجة فلو كان الشعب هنا، وفيه تعرض النبي صلى الله عليه و آله و سلم وأتباعه للمقاطعة، فلا معنى لأن يجعله الأشخاص المذكورون موضعاً خفيّاً لاجتماعهم أو ليجتمعوا في مكان معرّض للخطر الدائم في أيّة لحظة! ! إنّ الاستفادة من هذا المكان كموضع خفي تدل على أن الحجون كان خارج مكة أو الىٰ جوارها على الأقل، بل إن بعض الروايات تصرّح بأن الحجون كان خارج مكة في صدر الاسلام، ولهذا لا يمكن القول بأن النبي صلى الله عليه و آله و سلم واتباعه وقومه خرجوا كلّهم