33المتقدمة بثلاث عمر باعتبار شروعه في العمرة والإحرام لها، ولكن المشركين منعوه من الدخول الىٰ مكّة، فرجع صلى الله عليه و آله و سلم بعد ما صالحهم في الحديبية، واعتمر في السنة اللاحقة قضاءً عما فات عنه صلى الله عليه و آله و سلم وعن أصحابه فسُميت بعمرة القضاء، كما صرح بذلك في صحيحة أبان عن الإمام الصادق عليه السلام قال: « اِعتمر رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم عمرة الحديبية وقضى الحديبية من قابل، ومن الجعرانة حين أقبل من الطائف ثلاث عمر كلهن في ذي القعدة» 1.
وفي صحيحة صفوان أنه صلى الله عليه و آله و سلم أحرم من الجعرانة 2.
فالذي يستفاد من صحيحة معاوية بن عمار: أن رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم أحرم من مسجد الشجرة للعمرة، ورفع صوته بالتلبية من عسفان (وهو معنىٰ أهلّ) وهي العمرة التي منعه المشركون من الدخول الىٰ مكة وصالحهم في الحديبيّة، ورجع من دون إتيان مناسك العمرة، ثم في السنة اللاحقة اعتمر وأحرم من مسجد الشجرة، وأهلّ ورفع صوته بالتلبية من الجحفة فسُميت بعمرة القضاء، وأما الجعرانة فالظاهر من الصحيحة أنه صلى الله عليه و آله و سلم أحرم منها لظهور قوله « وعمرة الجعرانة» في أن ابتداء العمرة كان من الجعرانة، لا أنه أحرم قبل ذلك، ورفع صوته بالتلبية من الجعرانة، كما صرح بذلك في صحيحة أبان المتقدمة. فالمستفاد من الصحيحة جواز الإحرام للعمرة المفردة من الجعرانة اختياراً وإن لم يكن من أهل مكّة كالنبي صلى الله عليه و آله و سلم وأصحابه، كما يجوز الإحرام من أدنى الحِلّ، ولكن يختص ذلك بمن بدىٰ له العمرة في الأثناء 3.
أقول: وعلى هذا الذي تقدم، فستكون هذه الرواية دليلاً على جواز الإحرام من الجعرانة، التي هي أقرب الحلِّ الى الحرم فقط.
2 - ما عن جميل بن دراج في الصحيح قال: « سألت الإمام الصادق عليه السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية؟ قال عليه السلام: تمضي كما هي الىٰ عرفات فتجعلها حجة، ثم تقيم حتى تطهر فتخرج الى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة، قال ابن أبي عمير: كما صنعت عائشة» 4.
وكان صنع عائشة كما ذكره ابن ادريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب معاوية بن عمار فقال:
«. . . إن رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم نزلها (البطحاء) حين بعث عائشة مع أخيها