183تعارضت مصلحة الفرد مع مصلحة الجماعة قدّمت مصلحة الجماعة على الفرد.
من هذا المنطلق نجد أن العبادات التي هي في أصلها تكليف فردي، أن هدفها العميق ليس إصلاح الفرد فقط، وإنما قيام المجتمع الصالح.
فالصلاة التي تهدف إلى تطهير الفرد من الدنس بردعه عن فعل الفحشاء والمنكر، هدفها أيضاً تخليص الغير من شرور الفرد، لأن الفواحش لا يمارسها الفرد إلا مع الغير.
والزكاة التي تهدف إلى تطهير النفس من عبودية المادة، لا يكون مجال إنفاقها وفاعليتها إلا في المجتمع، فتكون التأمين الضروري لكل فرد عاجز في المجتمع لكي يعيش عيشة إنسانية مرضية.
أما الصوم الذي هو دورة تدريبية سنوية للفرد على التقوى، والالتزام بالواجبات والمحاسبة الدقيقة للنفس على كل عمل، فهو في نفس الوقت شعور بحرمان الفقير من كل حاجاته، حتى الحاجات الضرورية كالطعام والشراب والكساء، فيكون هدفه الاجتماعي مساعدة العاجز والبائس ومشاركة المساكين في آلامهم ومآسيهم.
أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهما من العبادات ذات الغرض الجماعي الظاهر، فكل انحراف يراه المسلم في المجتمع عليه إصلاحه ليحافظ على المجتمع السليم. وبما أنه لا انفصال بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، فإن إصلاح المجتمع تعود عليه ثماره بشكل غير مباشر.
من هذا تظهر وحدة المجتمع في الصلاح والفساد. فكل ما يحدث في جزء من المجتمع يعود تأثيره على كل فرد في المجتمع، وهو فحوى قول النبي الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم:
« مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» .
فليس لأحد أن يعيش في معزل عن غيره، ويزعم أنه حر فيما يعمل، طالما أنه خاضع للتأثير المتبادل بينه وبين مجتمعه.
وقد صوّر لنا النبي صلى الله عليه و آله و سلم هذه الحقيقة الواقعة خير تصوير في حديثه عن قوم ركبوا فبدأ أحدهم يحفر في الجزء الذي اختص به. يقول صلى الله عليه و آله و سلم:
« مثل القائم على حدود اللّٰه والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضُهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خَرْقاً ولم نؤذ من فوقنا. فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإذا أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً» .
من هذا المنطلق وقياساً على ما سبق، نجد أن فريضة الحجّ ذات مقاصد فردية واجتماعية على حد سواء، شأنها في ذلك شأن كل العبادات.
وبما أن فريضة الحج مبتناة على اجتماع الناس بأعداد كبيرة، ومن شتى أصقاع الأرض ودول الإسلام، فإن الأهداف الاجتماعية فيها لابُدّ من أنها هي الغالبة.