152باعتباره رمزاً لسيادة المسلمين في المدينة، الموطن الجديد لهم، الموطن الذي ضايق اليهود بوجود المسلمين فيه، ومواصلتهم نشر الإسلام منه.
وأخذت الحرب الصامتة تَقْوىٰ وتشتد من جانب اليهود ضد المسلمين وعلى مراحل، وفي كل مرحلة كان موقف اليهود فيها يكشف عن طبيعة وجودهم وعقائدهم في أيّ موقع يسيطرون فيه، ويبرز نوع تعاملهم مع أي أمّة يعيشون معها أو بينها 1. فلقد كان اليهود يعبّرون عمّا تنطوي عليه نفوسُهم وقلوبُهم من غِلٍّ وحقد وحسد للمسلمين، ويفصحون عن إحساسهم بالخطر مما يمكن أن يطرأ على حال المسلمين من اطّراد القوة والمنعة والسيادة.
ومع كل هذا كان المسلمون يتجنّبون تصعيد حالات العداء، إلا أنّ اليهود كانوا يدركون أن الوقت ليس في صالحهم، فإذا لم يكسروا شوكة المسلمين من الآن - خاصة بعد بدر - فإن خطر المسلمين سيتضاعف، ومع أنّ المسلمين كانوا يعيشون انتصار بدر وصداه العظيم في كلّ أرض الحجاز، فإنّهم كانوا يدركون أن خطر قريش لا يزال قائماً، وأنّه ربما تكون الجولة القادمة من جانب قريش طلباً للثأر من المسلمين.
ثم إنّ بداية المضايقات وتصاعدها، وبلوغها حالات الصِّدام في الموطن الجديد، كانت تتمثل في قطاع هائل من اليهود وهم «بنو قينقاع» الذين توجّه إليهم رسولُ اللّٰه بنفسه في سوقهم، فرفضوا دعوته، ثم هدّدوه إن قامت الحرب بينه وبينهم 2.
ثم ساروا على طريق الهُزء بالمسلمين والاستخفاف بهم وبحرماتهم، إلا أن المسلمين لم يبالوا بكل الظروف المحيطة بهم، وقاموا بمحاصرة يهود «بني قينقاع» في بطولة فدائية عظيمة، فقد كان عدد اليهود من (بني قينقاع) أكثر من عدد المسلمين بكثير، فهم عند بعض المؤرخين (700) مقاتل و (300) دارع و (400) حاسر؛ لذا أدرك اليهود الذين ينتشرون في شمال الحجاز أنه لابدّ لهم من العمل ضد الإسلام والمسلمين، وهذا هو ما ساروا عليه، وخططوا له على المدى البعيد.
ومن هنا يتضح أن اليهود (ومن ورائهم الصهيونية) يدركون أن الإسلام هو العدو والخصم اللدود لهم، فعلى المسلمين والعرب أن يستبعدوا أي تفكير بقبول (الكيان الغاصب) والاعتراف به مهما كان المقابل؛ ذلك أن الصهيونية منذ البداية الأولى لها كانت قائمة على أساس التفسير التوراتي للتاريخ الإنساني، وللميثاق الإلهي مع الإنسان ولمستقبل الإنسان فوق الأرض. كما أن نزعة العنصرية الحاقدة، ونزعة احتقار الأمم الأخرىٰ في العقلية الصهيونية إنما هي مستوحاة من الرؤية التوراتية المزوّرة التي تقول حكاية عن الرب: « أنا قلت: إنكم آلهة وكلكم بنو العلي » 3.
لذا يرتكز الكيان الغاصب في سياساته العدوانية والتوسعية والعنصرية على رؤية (دينية توراتية تلمودية) ، بل إن قيام هذا الكيان على أرض شعب فلسطين مدين في وجوده لتلك (الرؤية التوراتية) المحرّفة، التي كتبتها وأملتها أحقاد أحبار اليهود على الأمم.
ومن هنا تعتبر الصهيونية التطبيق العملي لليهودية، واليهود أنفسهم يعتبرون تاريخ اليهودية والصهيونية شيئاً واحداً، كما أن تاريخ الصهونية يؤكد تفنن اليهود في ابتداع وابتكار الأساليب والطرق التي تخدم أهدافهم بطرق غير مباشرة 4. نعم يصح التفريق بين اليهودية والصهيونية إذا كان المقصود باليهودية الرسالة السماوية الصحيحة التي