120ورأيت الناس يدخلون في دين اللّٰه أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان تواباً» .
ومضت فرق الجيش تدخل مكة دون أدنى مقاومة، وقد أخذت الحميةُ سعد بن عبادة الأنصاري وهو يمرّ أمام أبي سفيان بن حرب فقال له: اليوم يوم الملحمة، اليوم تسبى أو تستحل الحرمة. وتردّد قولُه بين المسلمين فنقلوه إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم وقالوا: يا رسولَ اللّٰه! ما نأمن أن يكون لسعد في قريش صولة. وقيل: إن العباس سمع ذلك فقال للنبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: يا رسول اللّٰه! أما تسمع ما يقول سعد؟ فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم لأمير المؤمنين عليه السلام: يا علي! أدرك سعداً، فخذ الراية منه، وكن أنت الذي تدخل بها مكة. فأدركه أمير المؤمنين عليه السلام فأخذها منه، ولم يمتنع عليه سعد بل دفعها إليه.
ولم ير رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم أحداً من المهاجرين والأنصار يصلح لأخذ الراية من سيد الأنصار سوى أمير المؤمنين علي عليه السلام.
قال الشيخ المفيد رضى الله عنه: واعلم أنه لو رام ذلك غيره، لامتنع عليه سعد، وكان في امتناعه فسادُ التدبير، واختلاف الكلمة بين الأنصار والمهاجرين، ولم يكن وجه الرأي تولي رسول اللّٰه أخذ الراية بنفسه، وولى ذلك من يقوم مقامه، ولا يتميز عنه، ولا يُعظم أحدٌ من المقرين بالملة عن الطاعة له، ولا يراه دونه في الرتبة، وفي هذا من المفضل الذي تخصص به أمير المؤمنين عليه السلام ما لم يشاركه فيه أحد، ولا ساواه في نظير له مساو، وكان علم اللّٰه تعالى ورسوله في تمام المصلحة بانفاذ أمير المؤمنين عليه السلام دون غيره ما كشف به عن اصطفائه لجسيم الأمور كما كان علم اللّٰه تعالى فيمن اختاره للنبوة وكمال المصلحة ببعثه كاشفاً عن كونهم أفضل الخلق أجمعين 1.
وهذا الدور لا يحتاج الىٰ تعليق، لأن وضوح أخذ الراية من سعد لا يتم الّا برسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم حيث لا يتنازل سعد زعيم الأنصار إلّاللنبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، ولما كان سعد يعرف أن علياً هو الرجل الثاني في الإسلام، وأنه سيصبح الرجل الأول سلم الأمر إليه بلا تنازع.
الدور الرابع:
التفاف الجيش الإسلامي على أطراف مكة المكرمة، مكّن النبي صلى الله عليه و آله و سلم من السيطرة العامة على المدينة، حيث لم تحدث أية مشكلة تذكر، وطبقت أوامر النبيّ بعدم سفك الدماء في البلد الحرام.
وأسلم على أثر الفتح سادةُ مكة، منهم حكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، وجبير بن مطعم، وأقبل أبو سفيان يركض فاستقبلته قريش، وقالوا: ما وراءك وما هذا الغبار؟ قال: محمد في خلق عظيم، ثم صاح وهو مذعور: يا آل غالب! البيوت البيوت! مَن دخل داري فهو آمن، فعرفت هند زوجته فجعلت تطردهم، ثم قالت: اقتلوا الشيخ الخبيث لعنه اللّٰه من وافد قوم، وطليعة قوم. قال لها: ويلك إني رأيتُ ذات القرون، ورأيت فارس أبناء الكرام، ورأيت ملوك كندة وفتيان حمير يسلمن آخر النهار، ويلك اسكتي، فقد واللّٰه جاء الحقّ ودنت البلية.
وكان رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم قد عهد إلى المسلمين أن لا يقتلوا بمكة إلا من قاتلهم سوى نفر كانوا يؤذون النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم منهم مقيس بن صبابة، وعبد اللّٰه بن أبي سرح، وعبد اللّٰه بن خطل، وقينتين كانتا تغنيان بهجاء رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم، وقال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة. فأدرك ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق