116يفعل، أيرجع قبل أن يحقق شيئاً، أو يستمر في محاولة يائسة. فذهب إلى المسجد لعلّه يرى محمداً صلى الله عليه و آله و سلم ودخل على الفور يكلمه في توثيق المعاهدة وزيادة المدة، إلا أن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم لم يرد عليه بشيء، وألح أبو سفيان والنبي صلى الله عليه و آله و سلم لا يجيب، وأصابته الحمى من هذه الصفعة الثانية فخرج على بعض مَن كان يعرف من الصحابة، فلم ير من يساعده على مهمته، أو يتكلم مع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم حوله.
دور عليّ عليه السلام:
الدور الأول:
وكان لابدّ لأبي سفيان - الذي يعرف مواقع القوة - من أن يلجأ الىٰ بيت عليّ حيث دخل على أمير المؤمنين عليه السلام فوجده مع زوجته وعندهما ولداهما الحسن والحسين عليهم السلام.
فقال: يا علي! أنت أمسُّ القوم بي رحماً، قد جئتُ في حاجة؛ فلا أرجعنّ كما جئتُ خائباً، اشفع لنا عند محمد صلى الله عليه و آله و سلم.
فقال علي عليه السلام: ويحك يا أبا سفيان! واللّٰه، لقد عزم رسولُ اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم على أمر فلا نستطيع أن نكلّمه فيه.
وأدرك أبو سفيان حراجة الموقف فالتفت الىٰ فاطمة عليها السلام قائلاً: وأنت يا بنت محمد! هل لكِ أن تأمري ابنك هذا - يعني الحسن - فيجير بين الناس، فيكون سيد العرب الىٰ آخر الدهر؟
قالت فاطمة عليها السلام: واللّٰه، ما بلغ ابني هذا أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم.
قال: يا أبا الحسن! إني أرى الأمور قد اشتدّت عليّ فانصحني.
فقال: واللّٰه، ما أعلم شيئاً يُغني عنك، ولكنك سيد بني كنانة، فقم فأجر بين الناس، ثم الحق بأرضك.
قال: أو ترى مغنياً عني شيئاً؟ !
قال أبو الحسن: لا واللّٰه، ما أظنّ؛ لكني لا أرى غير ذلك.
وقام أبو سفيان فأتى المسجد، قائلاً: أيها الناس! إني قد أجرتُ بين الناس، ولم يلبث أن خرج بركب بعيره، وينطلق عائداً الىٰ مكة، خالي الوفاض، يجرّ أذيال الخيبة والهزيمة، إذ لم يستطع أن يحقق شيئاً مما جاء اليه.
وقدم أبو سفيان على قومه، فسألوه ما وراءك يا أبا سفيان؟
قال: جئت محمداً فكلمته، فو اللّٰه، ما ردَّ علي شيئاً، ثم جئت بعض أصحابه فوجدتهم أعدى الناس إليّ، ثم جئت عليّ بن أبي طالب فوجتُه ألينَ القوم، وقد أشار عليّ بشيءٍ صنعته، فو اللّٰه، ما أدري هل يغنيني شيئاً أم لا؟
قالوا: وبما أمرك؟
قال: أمرني أن أُجير بين الناس ففعلت.
قالوا: فهل أجاز محمدٌ ذلك؟
قال: لا.
قالوا: ما زاد الرجل على أن لعب بك، فما يغني عنا ما قلت 1.
أرأيت إلى علي الشاب النابغة الذي يزن الرجال بميزان، ويعرف كيف يضرب ضربته الذكية؟ فهو كمن يطعن