108اللّٰه «. . . ونحشره يوم القيامة أعمى» 1فقال السائل: سبحان اللّٰه أعمى؟ قال: أعماه اللّٰه عن طريق الجنّة 2.
ما هي الاستطاعة، ومن هو المستطيع؟
لقد أوضح فقهاء المذاهب الإسلاميّة في رسائلهم العملية وكُتب المناسك، الاستطاعة بما مؤدّاه: أن يكون للإنسان مالٌ يزيد على مؤونة عياله، بحيث يكفيه للذهاب الىٰ مكّة والإياب، وأن تكون له ولعياله فضلّة عند رجوعه من الحجّ.
مع مثل هذه الشروط السهلة، رأى الكثير من المسلمين أنفسهم قادرين على القيام بهذه الفريضة، والإتيان بهذا الواجب؛ ولهذا السبب بالذات ربّما يعود سبب كثافة المسلمين الذين يقصدون بيت اللّٰه الحرام، حيث كانَ عددهم فيما مضى يبلغ مئات الآلاف سنوياً، أمّا اليوم فهو يزيد على المليون، يتوجهون من أرجاء الدنيا الىٰ أحد مواقيت الحج.
ومن جهةٍ ثانية قد تبدو أعمال الحجّ نفسها أيسر من شروط الاستطاعة؛ إذ هي لا تعدو - في الظاهر - أن يحرم المسلم من أحد المواقيت، ثم يقصد مكّة، وحين يصلها يطوفُ بالبيت سَبعاً، ثم يصلّي ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام ، فيمضي بعدهما نحو جَبَلَي «الصفا» و «المروة» ليسعى سبعة أشواط، ويقصّ بعدها شيئاً من شعره، أو من أظفاره؛ ليخرج من إحرامه، بعد أن يكون قد أنهى أعمال عمرة التمتع، انتظاراً لأداء مناسك الحج.
وحين يقترب من نهاية العشرة الأولى من ذي الحجّة الحرام، يُحرم من المسجد الحرام، أو من مكّة - عموماً - في اليوم الثامن، أو التاسع من شهر ذي الحجّة؛ ويذهب الىٰ عرفات ليقف فيها من الزوال حتى غروب الشمس من اليوم التاسع، ثم يفيضُ ليلاً نحو المشعر الحرام؛ ليمكث فيه حتى طلوع الشمس من اليوم العاشر، حيث يتحرك صبيحة اليوم العاشر نحو منى؛ فيرمي جمرة العقبة سبع حصيات، ثم ينحر ويحلق « أو يأخذ شيئاً من شعر رأسه بحسب الرأي الفقهي» ، فيتحرك نحو البيت الحرام ليطوف طواف الزيارة، ويؤدي صلاة الطواف، ثم يسعى بين الصفا والمروة، ثم يطوف طواف النساء، ويؤدي صلاته، وبعد أن ينتهي من ذلك يعود الىٰ منى؛ ليبيت فيها ليلة الحادي عشر، ويمضي نهارهُ فيها، ثم يبيب ليلة الثاني عشر ويمكث حتى منتصف النهار، على أن يرمي الجمرات الثلاث كلّ واحدة سبع حصيات، فيُتم بذلك فريضة الحج المباركة.
الذي يبدو من هذا الاستعراض الوجيز أنّ شروط الاستطاعة تتسم بالكثير من اليسر والسهولة؛ وأيسر منها وأسهل أداءً نفس مناسك الحج. بيد أنّا نسأل: إذا كانت الاستطاعة، وأعمال الحجّ بهذا المستوى من البساطة واليسر؛ فلماذا عُدّ الحجُّ كما في رواية ابن عباس نوعاً من الجهاد؟ 3
في الجواب يجب علينا أن ننتبه الىٰ أنَّ ما تتحدَّث عنه كُتب الفقه، ومناسك الحجِّ، يقتصر على بيان الأحكام الظاهرية للمكلّف؛ مما يجب أن يقوم به من خلال الحركات والسكنات والألفاظ. أمّا حقيقة الحجِّ، وأبعاده المتكاملة فهو ما يجدر بنا أن نتقصّاه في الكتب الأخلاقيّة، وفي التعاليم العملية لأئمة أهل البيت عليهم السلام.
ونقطة البداية هي أنّ المكلّف قبل أن يتعلق به تكليف فريضة الحجّ، هو مسلم؛ وأنّ للمسلم في السُنّة تعريفاً محدّداً واضحاً.