10ثم قد نفهم جانباً آخر من الصورة. . في الطواف حول البيت كعبادة، فنحن نعبد اللّٰه بحسب الحالة الطبيعية أفراداً. . في بيوتنا ومواقعنا الفردية. . ثم نمارس العبادة - بعد ذلك - جماعة في صلاة جماعة محدودةٍ، قد تتسع في أفرادها، وقد تضيق، تبعاً للموقع وللإمام وللمناسبة. . وتبقى العبادة في حدودها الفردية والاجتماعية الضيّقة. . فلا نعيش فيها الانفتاح في عبادتنا للّٰهعلى مستوى حجم الأمة كلها، تبعاً للتنوع الواسع في النطاق العالمي. . الإنساني.
وهنا تأتي عبادة الطواف. . ؛ لتكون العبادة حول البيت الإلهي العالمي في حجم الأمة كلّها. . عندما يشترك المسلمون - من سائر أقطار العالم - ليعبدوا اللّٰه كأُمّةٍ، يتمثل فيها العربي والفارسي والهندي والامريكي والافريقي والاوروبي، وما إلى ذلك؛ لينطلق الجميع في عبادةٍ إسلامية عامّةٍ كأُمّةٍ؛ ليعيشوا الأفق الواسع في العبادة، وليتفاعلوا بهذه الشخصية الجديدة التي تؤكد في داخلهم معنى الامتداد الإنساني الشعوري في روحية العبادة بين يدي اللّٰه. . .
ويتخلصوا بذلك عما اعتادوه في حياتهم؛ لأن الناس إذا مارسوا فكرهم وعبادتهم ومسؤولياتهم في النطاق الضيّق، فإن ذلك يتحول إلى حالةٍ نفسيةٍ ضيّقة مخنوقة في الدائرة المحدودة. . فينسون صفتهم كجزء من الأمة الواسعة. . بينما توحي العبادة في داخل التنوع الإنساني للأمة المسلمة بالبعد العالمي للشخصية، وهي بين يدي اللّٰه رب العالمين. . ؛ ليتمثل من خلال ذلك الهدف التربوي للحج، وهو صنع الإنسان المسلم العالمي، الذي يتحرر من ذاتيته وعائليته وإقليميته وقوميته عندما يطوف بالبيت العالمي للّٰه. .
وتلك هي القضية التي قد نحتاج إلى أن نتمثلها ونعيشها في واقعنا الاجتماعي والسياسي. . ؛ لندخل في نشاطاتنا في دور جيد، وساحةٍ جديدةٍ؛ لأن من مشاكلنا الإسلامية أن المسلمين قد يغلب عليهم الاهتمام بقضاياهم الخاصة، التي قد تتطور من الحالة الذاتية إلى حالة البلد الذي ينتمي اليه الإنسان المسلم، فيرى أن قضايا بلده الإسلامي هي المحور الذي يجب أن يدور حوله كل النشاط الإسلامي، سواءً كان نشاطه، أو نشاط الناس من حوله. . مما يجعله يصرف كل طاقاته في هذا الموقع، ويعمل على أن يستخدم كل قضايا العالم من أجله. . من دون أن يفكر بأن عليه أن يستفيد من بلده لخدمة قضايا العالم الإسلامي الأخرى. . الأمر الذي قد يتحول إلى شعور داخليّ بالانفصال عن قضايا العالم. .
وهكذا لاحظنا أن الواقع السياسي الذي يعيشه المسلمون في بلدانهم؛ هو أن قضيةً إقليمية إسلامية في هذا البلد، وأن هناك قضيةً قوميةً في هذا المحيط الجغرافي. . وأن المسلمين يتحركون في حجم هذه القضايا تبعاً لمواقعهم المحلية، ولا يحاولون الاهتمام بقضايا الآخرين إلا من خلال علاقتها بهذه القضية، كما لو كانت قضيةً أجنبيةً يلامسونها كما يلامسون أيّة قضية بعيدة عن ساحتهم. . وقد يسجلون على الآخرين نقطة سوداء إذا انشغلوا عن هذه القضية بقضيتهم. . حتى لو كانت قضيةً إسلامية.
وقد يقول البعض، إنني أهتم بهذه القضية الخاصة؛ لأنها قضية إسلامية، ولأنَّ طبيعة الموقع الذي أمثله في هذه الساحة يفرض عليّ الحركة في هذه الدائرة؛ لأني أعرف منها ما لا يعرفه الآخرون، ولأني أملك من مواقعها ما لا يملكه الآخرون، في نوعية الحركة، وفي طبيعة النتائج؛ ولأن قيمتها قد تفوق قيمة كثيرٍ من القضايا الإسلامية الأخرى، بالنظر إلى أهميتها السياسية، وقيمتها الإستراتجيّة فيما هو الواقع الإسلامي في حركة الصراع.