83وقد سعي بعضهم ومنه محمد رشيد رضا إلي إثبات أن الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلم) أرسل أبابكر إلي مكّة أميراً للحج، وأمر عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بابلاغ الحجاج سورة براءة (58) .
ولكن لا يمكن لهذا الكلام أن يكون صحيحاً لأن إبلاغ: "لا يحجّ بعد العام مشرك" يتعلق بأمير الحاج مباشرة. كما ورد في الروايات، ثانياً أنه "لا يبلّغها إلاّ أنا أو رجل من أهل بيتي" (59) .
والأعجب من هذا أن السادة حينما يواجهون هذه المشكلة، ولا يجدون جواباً لها يلجأون إلي القول أن ابابكر أمر علياً (عليه السلام) بقراءة آيات سورة براءة (60) .
بينما كان إبلاغ هذه الرسالة بأمر من الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلم) ولم تكن هناك حاجة لأمر جديد من أبي بكر. ويسعي أبو هريرة لأثبات إبلاغ آيات البراءة في يوم عيد الأضحي لنفسه ويذكر أن عليا (عليه السلام) كان أحد الذين عُهد اليهم بهذه المهمة أيضاً؟ ! (61) .
وقد طغي التعصب علي عيني وأذني السيد محمد رشيد رضا بشكل جعله يهاجم الشيعة بعد روايته لهذه المسائل بشدة متسائلاً لماذا يستفيدون من هذه القضية لاثبات فضيلة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ؟ !
فكيف لانسان يعتبر نفسه مفسراً للقرآن يمنح نفسه مثل هذه الجرأة فيعمل علي تحريف الحقائق، ويتمادي ليطلب الموت والقتل للشيعة أو كما يقول الروافض (62) ؟ .
ومما يؤسف له أنهم تمادوا لإِنكار هذه الفضيلة، إلي حدّ دعا محمد رشيد رضا - بعد أن تبين كون أبي بكر أميراً للحاج - لنقل رواية عن أهل السنة هي: إن الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلم) اختار أبابكر أميراً للحاج، وعلياً (عليه السلام) مبلغاً آيات البراءة، لأن أبابكر مظهر الرحمة والجمال الإِلهي، وعلياً (عليه السلام) أسد الله ومظهر الجلال الإِلهي (فصفة القهر من صفات الجلال) ، ولمّا كان الأمر هنا نقض عهد المشركين [أي أن الشدة ضرورية]، فقد عهد بهذه المسؤولية لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) (63) !
ويسعي ابن كثير بتعصبه للغضّ من فضيلة علي بن أبي طالب الكبيرة هذه، باضعاف حديث رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلم) الذي قال فيه "لا يبلغها إلاّ أنا أو رجل من أهل بيتي" فيصفه بالضعف وأنه غير صحيح (64) !
ويقول فضلاً عن ذلك: وما جاء في الرواية، أن أبابكر عاد إلي المدينة، بعد أن أبلغ رسالة الرسول الأكرم (صلّي الله عليه وآله وسلم) ، فليس معناه أن أبابكر رجع من فوره، بل بعد قضائه للمناسك التي أمره بها رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلم) (65) .
والأسوأ من هذا، أن ابن كثير يذكر نقلاً عن مسند أحمد بن حنبل: أنه حين أمر الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) بابلاغ آيات البراءة، أجاب علي (عليه السلام) : يا رسول الله لست باللسن ولا بالخطيب! ! فقال له الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلم) : لا بدّ لي أن أذهب بها أنا أو تذهب بها أنت، فقال علي (عليه السلام) فإن كان ولا بدّ فسأذهب أنا! ودعا الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلم) لعلي، ووضع يده علي فيه (66) .