81ويروي أبو الصباح الكناني عن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "بعد أن رجع الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلم) من غزوة تبوك، عزم علي الحج فقال: إنه يحضر البيت مشركون، يطوفون عراة، فلا أُحب أن أحج حتي لا يكون ذلك (49) .
فنزلت إثر ذلك سورة براءة، وبعث الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) إلي مكة لقراءة الآيات علي المشركين، ويشرح الامام الصادق (عليه السلام) هذه المهمة بقوله: لم يمنع الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلم) المشركين من إقامة مناسك الحج بعد فتح مكة، وكان المشركون قد امتهنوا هذه المناسك بأعمالهم السيئة وعقائدهم الخرافية، ولم يكن لهذا أن يدوم. ومن أعمالهم هذه:
كانت أحدي سنن عرب الجاهلية في الحج، اعتقادهم بأن من يدخل مكة ويطوف بثيابه، لا يجوز له أن يحتفظ بثوبه هذا بعد الطواف، ويستفيد منه؛ ولذلك كان يتصدق به بعد طوافه. أو أنه كان يكتري ثوباً يطوف به ثم يعيده إلي صاحبه، والذين كانوا لا يملكون القدرة علي الاكتراء ولا يملكون سوي ثوب واحد، كانوا يخلعونه ويطوفون عراة. وقد حدث يوماً أن جاءت امرأة جميلة للطواف في المسجد الحرام وكانت لا تملك غير ثوب ولم يُكرها أحد ثوباً، فطافت عارية والناس يتفرجون عليها. وبعد انتهاء الطواف، طلب بعضهم الزواج منها، فردّتهم المرأة وقالت: إن لي زوجاً. ولم يكن لهذا العمل السيء والمهين أن يدوم ويسيء إلي حرمة بيت الله.
وحينما نزلت الآيات الأوَل من سورة براءة علي رسول الله، أعطاها إلي أبي بكر، وأمره أن يذهب إلي مكة، وأن يقرأها علي الناس بمني يوم عيد الأضحي، وما إن ذهب أبوبكر حتي نزل جبرائيل علي رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلم) وقال:
"لا يؤدي عنك إلاّ رجل منك".
وقد أورد ابن عربي هذه الجملة ضمن رواية بقوله: "إنه لا يؤدي عني إلاّ رجل من أهل بيتي. . . " (50) .
ثم إن الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلم) اختار علي بن أبي طالب (عليه السلام) لهذه المهمة وبعث به خلف أبي بكر، فلحقه علي (عليه السلام) في منطقة الروحاء (51) (أو كما ورد في بعض الروايات، في ذي الحليفة) (52) ، وأخذ منه الآيات، فعاد أبوبكر إلي الرسول خائفاً وجلاً وقال: هل نزل فيّ شيء؟ فقال الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلم) : لا إن الله أمرني أنه "لا يؤدي عنك إلاّ أنت أو رجل منك".
وقال علي (عليه السلام) :
لقد أمرني الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلم) أن أبلغ الناس أمر الله بألاّ يطوف بالبيت عريان، ولا يحج بعد العام مشرك" (53) .