7القلقة التي تتطلع إلي غفران ذنوبها، وتكفير اثامها والفوز بالجنة والنجاة من النّار. . ونتابع الحجيج في خطواتهم وأعمالهم، فنلاحظ الإلحاح علي تجميد شعائر الحج في نفوسهم، في محاولةٍ للحفاظ علي الشكل بعيداً عن المضمون. . فإذا دخلت إلي مجتمعاتهم فإنك ستري العلاقات العادية، التي اعتادوها في بلادهم التي جاءُوا منها، بكل ما تشتمل عليه من سلبيّات، وما تفرزه من نتائج سيّئةٍ تعبث بأجواء الحج أيما عبث، وتسيء إليه إساءة. . وهكذا لا تجد هناك مجتمعاً يترابط أفراده بالهدف الواحد، بل نجد أفراداً يعيشون شكل المجتمع من دون معني أو روح. .
هذا في المدلول الذاتي للحج إن صح التعبير. .
فإذا تطلّعت من جديد إلي الجوّ الداخلي للمسلمين، فماذا تجد؟ إنك ستجد الاختلافات المذهبية بين المسلمين تتحجّر وتتجمّد في صيغ جامدة لا يملك أصحابها تحريكها أو توجيهها، أو إفساح المجال لها لنتنفس الهواء النقي الذي يجدّد لها أفكارها، ويبعث فيها المرونة والحيوية، التي تدفعها إلي الحركة والحوار حتي كأن الفكر الإسلامي لدي كل فئةٍ وقف في بعض لحظات التاريخ عند أشخاص معينين، وكفّ عن الحركة في المراحل الزمنية الأخري. . ولعل من المفارقات أن الكثيرين ممن يقلّدون المجتهدين لا يدّعون لهم العصمة في رأي واجتهاد، ولكنهم لا يحاولون أن يناقشوهم في فتاواهم أو آرائهم، بل يثيرون الغبار في وجه كل من يحاول ذلك. . وقد لا يقتصر الأمر علي ذلك بل يتعداه إلي المحاولات المتشنجة التي يقوم بها كل طرف إسلامي ضد الأطراف الأخري في أساليب متنوعة فيما تملكه من عناصر الإثارة التي لا تقوم علي أساس من الفكر الهادئ المتّزن والأسلوب الإيماني المنفتح، الذي أرشدنا الإسلام إليه ودعانا إلي ممارسته فيما نختلف فيه من فكر، وفما نتنازع فيه من أمر. . وبذلك يتحول هذا المجتمع الإسلامي إلي مجتمع تتزايد فيه المشاحنات والأحقاد بدلاً من أن يكون مجتمعاً تذوب فيه كل هذه العوامل السلبيّة. .
أمّا الجانب السياسي فقد لا تجد فيه أية حركة إيحابية جادة تتناول قضايا المسلمين بالدرس والمناقشة والمعالجة، سواء فيما يتعلق بالأوضاع السياسية التي يعيش فيها المسلمون مشاكل الحرية والعزة والكرامة، بسبب وقوعهم تحت قبضة الاضطهاد الاستعماري والفكري والعنصري، أو فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية التي تتصل بثرواتهم المعدنية والزراعية، فيما يواجهه المسلمون من محاولات ظالمة في الضغط المتواصل، من قبل الدول المستعمرة الكافرة، لتعطيل خطط التصنيع والإنتاج في سياسة الاكتفاء الذاتي التي يطلع إليها العالم الإسلاميّ، وذلك لإبقاء هذه الشعوب سوقاً إستهلاكية لمنتجاتها، الأمر الذي يجعلها تحت رحمة الحروب الصغيرة التي تثيرها الدول الكبري المستكبرة فيما بينها من أجل أن تشغلها عن خطط التنمية والتطوير، وذلك بفضل عملائها الذين تضمن إخلاصهم لها من خلال ضمانها لمراكزهم التي يتربعون عليها. .
إنك لا تشعر بارتفاع الأصوات الهادرة، التي تحاول أن تثير المشاعر الإسلاميّة ضد هذا الواقع السيء كوسيلةٍ من وسائل الإثارة نحو التغيير. . وذلك لأن الأجواء المحيطة بالواقع السياسي هناك تمنع من أيّ حركةٍ في هذا الاتجاه. لما يحقّقه ذلك من تفجير للطاقات الشعبية في الخط السليم المضاد لذلك الواقع. .
وقد حاولت الثورة الاسلاميّة في إيران في السنة الأولي لانطلاقتها، أن تحرّك الجوّ الإسلاميّ هناك، من خلال طرحها للشعارت الإسلاميّة التي تعالج قضايا المسلمين في العمق والامتداد. وأن تدعوا المسلمين إلي تحويل الحج إلي مؤتمر إسلاميّ عام، تبحث فيه المشاكل الصعبة التي يعانيها العالم الإسلامي وذلك في محاولةٍ إلي أن يقوموا بالحركة الإسلاميّة العالمية في الخط الإسلامي السليم الذي يعالج كل أوضاع العالم الإسلامي بصدقٍ إخلاص. . ولكن هذه المحاولة قوبلت بالضغط والتضييق والقهر والتشويه، وذلك نتيجة الخوف من تغيير الأوضاع.