6
الحجّ ملتَقي المسلمين:
إننا نستوحي من هذين الحديثين، أن الإسلام أراد للحج أن يكون ملتقيً للمسلمين جميعاً في شرق الأرض وغربها، من أجل تحقيق التعارف والتواصل بينهم، وتحصيل المنافع الاقتصادية والاجتماعية لمن حجّ ولمن لم يحج، وتبادل التجارب والخبرات المتنوّعة، التي يملكها كل فريق من خلال أوضاعه العامة والخاصة. . وتسهيل حركة الدعوة إلي الله بالانطلاق من موسم الحج للاتصال بكل المناطق الإسلاميّة التي تتمثّلُ بأفرادها، الذين يقصدون بيت الله االحرام؛ لأداء الفريضة فيمما يتعلمونه من ثقافة الإسلام وشريعته، وفيما يتعاونون فيه من مشاريع وأعمالٍ وخططٍ علي أساس المصلحة الإسلاميّة العليا. . لينطلق العمل الإسلامي من قاعدة مركزيّةٍ واسعة. . في أجواء الإسلام التاريخية التي شهدت مولد الدعوة وعاشت حركيتها، وحقّقتْ أهدافها الكبيرة في جهادها االمرير الصعب، فيكون التحرك في الخط من موقع الفكرة والجوّ والخبرة المتبادلة والمعاناة الحاضرة.
وهكذا يعيش الناس فيما يقصدونه من مزارات أجواء الإسلام الأولي، التي يعيشون معها الإحساس بالانتماء الروحي والعملي لهذا التاريخ، مما يوحي لهم بأن الإسلام الذي ينتمون إليه يمتدّ إلي تلك الجذور العميقة الطارئة في أعماق الزمن، وبأن عليهم أن يعطوا هذا التاريخ امتداداً من خلال جهادهم ومعاناتهم. كما استطاع المسلمون أن يحققوا لهم هذا الامتداد الذي يتصل بمسيرتنا الحاضرة. . وبذلك لن تكون الزيارات تقليداً يفقد معناه، وعبادة تتجمد أمام المزار؛ لتنفصل عن معني التوحيد العميق؛ الذي يخلص العبادة لله دون غيره، ولا يتحرك نحو جهةٍ أوشخصٍ أو عمل إلا من خلال تعاليم الله التي انزلها علي رسوله. . الأمر الذي يعطي كل تحرّك معناه الروحي، فيما تعطيه حركة التاريخ من مضمون إنسانيّ إسلاميّ، يغني التجربة، ويعمّق الإيمان.
سقوط الفوارق:
وعلي ضوء ذلك، نفهم أنّ: اللقاءات التي يخطّط لها الإسلام من خلال هذه الفريضة العباديّة، لا بدّ من أن تعيش الهدف الكبير في تحقيق لقاء إسلاميّ شامل؛ ليستهدف إلغاء كل الفوارق الطبقية واللونية والعرقية والإقليمية. . من خلال التفاعل الإنساني الروحي الذي تحققه هذه اللقاءات التي تتمّ في أجواء روحية خالصة، يستشعر فيها الجميع بالقيمة الإسلاميّة علي هدي الممارسة في وحدة الموقف واللباس والشعار والتحرّك. . فيلغي المشاعر الطارئة المضادّة، التي يمكن أن يتعامل من خلالها الاستعمار الكافر، لتفتيت طاقاتهم وتدمير وحدتهم. . حتي اذا نجح في بعض خطواته، فيما يستغلّه من بعض الأوضاع السلبية. . كان الحج له بالمرصاد ليبعثر تلك الخطوات الشريرة، ويفوّت عليه عمليّة الاستغلال هذه، بما يثيره من مشاعر طاهرة وأفكارٍ واعية، وخطواتٍ إيمانية متحركة يقظة. .
بين الخطّة والواقع:
ذلك هو بعض ما نستوحيه من تشريع الحج في مدلوله الإجتماعي والسياسي، إلي جانب مدلوله الروحي العبادي التربوي، وذلك هو ما مارسه الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام) عندما كانوا يعتبرون الحج قاعدة للحوار مع كل الفئات المنحرفة، كما كانوا يحاولون أن يحقّقوا اللقاء بكل العناصر الطيبة التي يريدون لها أن تسير في الخطّ الإسلامي المستقيم، في خطة توجيهية عملية شاملة. . .
فماذا عن الواقع الذي يعيشه الحج في هذهِ المرحلة من تاريخ الإسلام؟
إننا نلاحظ حشداً كبيراً من البشر، الذين يفدون إلي بيت الله الحرام من مشارق الأرض ومغاربها، من مختلف القوميات والألوان، ونستمع إلي كثير من الأصوات التي تعجّ بمختلف اللّغات، وإلي الإبتهالات التي ترفع إلي الله من شفاه المؤمنين ومن قلوبهم مستغفرة شاكية باكية، ونشاهد كيف تتقايض الدموع الخاشعة من العيون الحائرة