67أدخله هذا الحدّ من حوائط ابن عامر وقرية عَرَفَة داخلٌ في عرفات. وقد نقل الطبري في القري نقلاً عن البلخي في معرفة حائط بني عامر فقال: "حائط بني عامر غير عُرَنَة، وبقربه المسجد الذي يجمع فيه الإمام الظهر والعصر، وهو حائط نخل وفيه عين تُنسب إلي عبدالله ابن عامر بن كريز، قلت: وهي الآن خراب". وقد شوهد أخيراً الآثار لتلك الحوائط من الجهة الجنوبيّة عندما كشفت الرياح من آثار المصانع والبرك الكبار والأساسات القويّة التي تشير إلي أنّه كان في الموضع المذكور قصورٌ وحوائط وجوابي واسعة تليق بمكانة هذا الرجل الشهير والذي قال ابن الأثير عنه: "إنّه أوّل مَن اتّخذ الحياض بَعَرَفَة وأجري فيها العين" (23) .
وقال ياقوت في (معجم البلدان) نقلاً عن البشاري: "قرية عرفة: قرية فيها مزارع وخضر ومباطخ وبها دورٌ حسنة لأهل مكّة ينزلونها يوم عَرَفَة والموقف منها علي صيحة" (24) . فإذا كانت قرية عَرَفَة داخلة في حدود عرفة. فالمراد من الموقف هنا هو الوقوف في سفح الجبل للدعاء الذي يكون مستحبّاً.
4- ذو المجاز:
قال الأزرقي في أخبار مكّة: "وذو المجاز: سوقٌ لهُذيل عن يمين الموقف مِن عَرَفَة قريب كبكب علي فرسخ من عَرَفَة" (25) .
وقال حمد الجاسر: "يسمّي المجاز الآن، وهو وادي عظيم يحفّ كبكب من غربيّه ثمّ يمرّ بعرفات، وفيه مياه ومزارع علي المطر، وسكّانه هذيل" (26) .
وقد اختصره صاحب الجواهر بقوله: "وهو سوق كانت علي فرسخ من عرفة بناحية كبكب" (27) .
وفي الوافي: "وفي النهاية: ذو المجاز موضعٌ عند عرفات كان يُقام فيه سوقٌ من أسواق العرب في الجاهليّة، والمجاز موضع الجواز والميم زائدة، سمّي به لأنّ إجازة الحاج كان فيه" (28) .
أقول: إذا كان ذو المجاز هو السوق فهو بعيدٌ من عرفات وليس حدّاً لها، وإذا كان هو الوادي العظيم الذي يمرّ بعرفات فتكون إحدي جهاته حدّاً لعرفات وهي الجهة الملاصقة لعرفات منه، ولمّا كان هذا الوادي شبيهٌ بعرفات نهي الشارع المقدّس عن الوقوف فيه.
5- الأراك:
والمقصود به نعمان الأراك.
قال البلادي: "وادٍ فحل من أودية الحجاز التهاميّة. . . وينحدر غرباً، فيمرّ جنوب عرفات عن قرب ثمّ يجتمع بعُرَنَة فيطلق عليه اسم عُرَنَة، يمرّ بين جبلَي كُساب وحَبَشي جنوب مكّة علي أحد عشر كيلاً، ويكون هناك حدود الحرم الشريف، ويتّسع الوادي بين كبكب والقرضة فيسمّي خبت نعمان لفياحه وسعته" (29) .
وقال الجاسر: "ونعمان: وادٍ عظيم يقطعه القادم من الطائف إلي مكّة من طريق كرا إذا أقبل علي عرفات، وهويحفّ جنوب عرفات، فيه مزارع ومياه كثيرة" (30) .
وقال في مجمع البحرين: "الأراك كسحاب شجر يُستاك بقضبانه له حمل كعناقيد العنب يملأ العنقود الكفّ، والمراد به هنا موضعٌ بعرفة من ناحية الشام قرب نَمِرَة" (31) .
أقول: يبدو كما ذكرنا سابقاً أنّ الأراك ليس من حدود عرفة لعدم ملاصقته للحدود وإنّما نُهي عن الوقوف فيه وصرّح بعدم الإِجزاء لاحتمال الاشتباه في الوقوف فيه.
وقد ذكر الدكتور الفضلي أنّ عين زبيدة الشهيرة تنبع منه (32) .
والخلاصة: فعرفة من جهة الشمال الشرقي حدّها جبل سعد (جبل عرفات) .
ومن جهة الشرق سلسلة جبال.
وكذا من جهة الجنوب.
ومن الغرب وادي عُرَنَة.
وعلي هذا فسيكون ذو المجاز ( إذا لم يكن هو السوق) فهو حدّها من جهة الشمال الغربي.
وأمّا الأراك فهو ليس حدّاً لعَرَفَة كما هو واضح.
وجوه الجبال المحيطة بعَرَفَات داخلة في الموقف:
قد يقال: انّ الجبال المحيطة بعرفات بما أنّها حدّ لعرفات فهي خارجةٌ عن الحدود فلا يجوز الوقوف بها، مثلها مثل الحدود التي ذكرت في الرواية لعرفة فإنّها خارجةٌ عن الحدود.
ولكن نقول: إنّ الروايات التي ذكرت حدود عَرَفَة مثل (نَمِرَة وعُرَنة وثَويَّة وذي المجاز والأراك) قد صرحّت بخروجها عن عَرَفَة للنهي الذي ورد في الوقوف بها أو الأمر بالاتّقاء.
أمّا الجبال المحيطة بعرَفَة فالمفهوم الارتكازي أن واجهاتها من عَرَفَة. بالإضافة إلي وجود القرائن الكثيرة الدالّة علي دخول واجهات الجبال في عرفة منها:
1- موثّقة إسحاق بن عمّار، قال سألت الإمام موسي بن جعفر (عليه السلام) عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحبّ إليك أم علي الأرض؟ فقال: "علي الأرض" (33) . وواضح أنّ علي الجبل يكون محبوباً إليه، إلاّ أنّ الأرض أحبّ إليه، وهو معني الجواز.