48الأوّل: دليل العقل " فان الواجب بعدما تحقق شرطه وكان المكلف واجداً لشرائط التكليف، فلا بُدّ للمكلّف من تفريغ ذمته بالاتيان بما امر به ليأمن العقوبة من مغبّة العصيان، ولا عذر له في التأخير مع احتمال الفوت.
نعم، لو اطمأن بالبقاء وبالتمكّن من اتيان الواجب ولو في آخر الوقت لا تجب المبادرة حينئذٍ، ولذا جاز تأخير بعض الواجبات المؤقته كالصلاة عن اول وقتها، لاجل حصول الاطمئنان والوثوق بالبقاء والتمكن من الاتيان بالمأمور به ولو في آخر الوقت، لكون الوقت قصيراً لا يحتمل التلف والفوت في هذه المدّة غالباً، وهذا الاطمئنان والوثوق غير حاصل في الحج لان الفصل طويل والطوارئ والموانع كثيرة " 44.
هذا تقرير الدليل العقلي حسبما ذكره السيد الخوئي رحمه الله - وفقاً لما جاء في تقرير بحثه - ويرد عليه:
أوّلاً: ان المتنازع فيه هو الفورية شرعاً، ولا تثبت بهذا البيان، واما الفوريّة عقلاً - فعلي تقدير ثبوتها بهذا التقريب - غير مختصة بفريضة الحجّ بل تعم الفرايض كلّها وهذا ما لم يلتزم به فقهاء المذهب.
وثانياً: ان الفوريّة التي يثبتها هذا الدليل العقلي انما هي فوريّة مقيّدة وليست فوريّة مطلقة، أي انها فوريّة مقيدة بعدم الوثوق بالبقاء واستمرار القدرة علي الامتثال في المستقبل، وهذه الفوريّة اخص من المدعي ولا تفي بالمطلوب، فان المطلوب اثبات الفوريّة مطلقاً حتي عند الوثوق بالبقاء واستمرار القدرة علي الامتثال.
وثالثاً: ان ما ذكره في الدليل من عدم الوثوق بالبقاء غالباً انما يصحّ في حق الذين تقدمت بهم السنّ واشرفوا علي الشيخوخة او تلبّسوا بها، اما غيرهم وخاصّة الشباب واهل القوة والغضاضة فالغالب فيهم الوثوق بالبقاء واستمرار القدرة علي الامتثال لسنين عديدة، إذاً فالغالب في النّاس هو الوثوق بالبقاء فيبطل ما فرعه علي عدم الوثوق من الحكم العقلي بلزوم التعجيل في الامتثال.
ورابعاً: ان الفوريّة بالمعني المذكور لا تكون مخالفتها معصية بل تجريّاً علي المعصية فلا يترتب علي مخالفتها اثر خاص بناءً علي عدم العقاب علي التجرّي.
نعم، اذا ادّي التراخي في الامتثال إلي الفوت ثبت استحقاق العقاب لوقوع المخالفة العملية، ولكنه خارج عما نحن فيه.
الثاني: الاحاديث المرويّة عن المعصومين (عليهم السلام) وهي كما يلي:
الاول: ما رواه الشيخ الطوسي بسند صحيح عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: " قال الله تعالي: ولله علي النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً قال: هذه لمن كان عنده مال وصحّة، "وان كان سوّفه للتجارة فلا يسعه، وان مات علي ذلك فقد ترك شريعة من شرايع الاسلام اذا هو يجد ما يحجّ به" 45الحديث.
ودلالة الحديث علي وجوب الفور واضحة فان قوله (عليه السلام) : "وان كان سوّفه للتجارة فلا يسعه" يدلّ بوضوح علي حرمة التسويف، ولا خصوصيّة للتجارة قطعاً وانما ذكرت كمثال لما يدعو للتسويف في الغالب مما لا يكون عذراً مانعاً عن اداء فريضة الحج.
الثاني: ما رواه الشيخ ايضاً بسند موثق عن ابي عبدالله (عليه السلام) ، قال: " اذا قدر الرجل علي ما يحجّ به، ثم دفع ذلك وليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرايع الإسلام " 46.
وعبارة " ثم دفع ذلك " تشمل صورة التأخير بعد الاستطاعة فتدل الرواية علي وجوب الفور في اداء فريضة الحج.