49الثالث: ما رواه الكليني بسند موثق عن الحلبي عن ابي عبدالله (عليه السلام) ، قال: " قلت له: أرأيت الرجل التاجر ذا المال حين يسوف الحج كلّ عام وليس يشغله عنه إلاّ التجارة أو الدين، فقال: لا عذر له يسوّف الحج، ان مات وقد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرايع الإسلام " 47.
فان قوله (عليه السلام) : " لا عذر له يسوّف الحج " يدل علي حرمة تسويف الحج وهو تأخيره.
وهناك روايات أخري في هذا المضمار، وفيما ذكرناه الكفاية.
واما ما استدل به ساير الفقهاء علي وجوب الفور في الحج فهو كما يلي:
1- قوله تعالي: واتموا الحج والعمرة لله وهذا أمر، والامر يقتضي الفور.
2- حديث مهران ابي صفوان عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) : "من اراد الحج فليتعجل" 48 رواه أبو داوُد باسناده عن مهران، ورواه الدارمي في سننه ايضاً 49.
3- حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس: ان رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) قال: "عجلوا الخروج إلي مكّة، فان احدكم لا يدري ما يعرض له من مرض أو حاجة " 50.
4- حديث ابي أمامة قال: قال رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) "من لم يمنعه عن الحج حاجة ظاهرة، أو سلطان جائر، أو مرض حابس فمات ولم يحج، فليمت ان شاءَ يهودياً أو نصرانياً " 51.
ورواه البيهقي في سننه ثم قال: وهذا وان كان اسناده غير قوي فله شاهد من قول عمر بن الخطاب، ثم روي عن عمر بن الخطاب انه قال: " ليمت يهودياً أو نصرانياً - يقولها ثلاث مرات - رجل مات ولم يحج وجد لذلك سعة وخليت سبيله، الحديث " 52.
5- روي عن رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) انه قال: "من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل" 53 وهو يدلّ علي الفور بوضوح والا لم يكن وجه لوجوب الحج عليه من قابل.
6- روي عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: " لقد هممت أن أبعث رجالاً إلي هذه الامطار فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين " 54. ودلالته علي وجوب الحج بالفور عنده واضحة فلو لا وجوبه فوراً لم يكن وجه في عدّهم غير مسلمين فان صرف عدم الحج لمن كان له جدة لا يعد مخالفة للشرع علي القول بالتراخي فإن هناك سعة لاداء الواجب ما لم يدركه الموت.
7- انه كالصوم عبادة تجب الكفارة بإفسادها فوجبت علي الفور، كما وجب الصوم علي الفور 55.
8 - انه كالجهاد عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة، فتجب علي الفور، كما وجب الجهاد فوراً 56.
9- انه اذا لزمه الحج وأخّره اما ان تقولوا: يموت عاصياً، واما غير عاص، فان قلتم: ليس بعاص خرج الحجّ عن كونه واجباً، وان قلتم: عاص، فاما ان تقولوا عصي بالموت أو بالتأخير، ولا يجوز ان يعصي بالموت اذ لا صنع له فيه، فثبت انه بالتأخير، فدل علي وجوبه علي الفور 57.
وقد اعترض القائلون بالتراخي علي ما استدل به هؤلاء الفقهاء لوجوب الفور باعتراضات أهمّها كالتالي:
اما الأوّل: وهو الاستدلال بالآية الكريمة بناءً علي دلالة الامر علي الفور فقد اعترض عليه أوّلاً: بانّا لا نقبل دلالة الامر علي الفور.