44وروي ايضاً باسناده عن محمد بن سنان: أن أبا الحسن الرضا (عليه السلام) كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: "علة فرض الحج مرة واحدة لان الله تعالي وضع الفرائض علي أدني القوم قوة، فمن تلك الفرائض الحج المفروض واحداً، ثم رغّب اهل القوة علي قدر طاقتهم"9.
وهذه الروايات صريحة في عدم وجوب الاكثر من مرة واحدة بخلاف الروايات التي استند إليها الصدوق في القول بالوجوب في كل عام، فانّ غاية دلالتها الظّهور، وروايات المرّة اظهر منها دلالة بل هي صريحة غير قابلة للحمل علي معني آخر.
ويمكن حمل روايات الوجوب في كل عام علي ارادة الوجوب علي طريق البدل، وأنّ من وجب عليه الحجّ في السنة الأُولي فلم يفعل وجب في الثانية.
وهذا ما قام به الشيخ الطوسي، وان كان الاقوي حملها علي ما حملها عليه صاحب الوسائل من ارادة الوجوب الكفائي، وانّ من الواجب علي المسلمين كفاية ان يحجّوا بيت الله الحرام في كل عام، وأنه لا يجوز لهم ترك الحجّ بما يؤدّي الي تعطيل بيت الله الحرام ولو لسنة واحدة، وقد وردت روايات متعدّدة - فيها روايات صحيحة السند - تؤكد هذا المضمون:
فقد روي الكليني في الصحيح عن الحسين الأحمسي عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: " لو ترك النّاس الحج لما نوظروا العذاب، أو قال: لنزل عليهم العذاب" 10.
وفي رواية اخري عن حماد عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: كان علي صلوات الله عليه يقول لولده: " يا بني انظروا بيت ربكم فلا يخلّون منكم فلا تناظروا " 11.
وفي الصحيح ايضاً عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: " لو عطّل النّاس الحجّ لوجب علي الامام ان يجبرهم علي الحجّ ان شاؤوا وان أبوا، فان هذا البيت انما وضع للحج " 12.
وفي صحيحة أُخري عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: " لو ان النّاس تركوا الحج لكان علي الوالي ان يجبرهم علي ذلك، وعلي المقام عنده، ولو تركوا زيارة النبيّ صلّي الله عليه وآله لكان علي الوالي ان يجبرهم علي ذلك وعلي المقام عنده، فان لم يكن لهم اموال انفق عليهم من بيت مال المسلمين " 13.
وهذه الروايات كالصريحة في الدلالة علي وجوب الحج كفاية في كل عام، فتكون قرينة علي صرف روايات الوجوب في كل عام - بعد تعارضها مع روايات المرة - إلي ارادة الوجوب الكفائي، وبذلك يتم الجمع بين المتعارضين.
وقد اعترض صاحب الجواهر - قدس سره - علي القول بالوجوب الكفائي المذكور " بانه خلاف الاجماع، وان النصوص الدالة علي ان الامام يجبر المسلمين علي الحج ان تركوه خارجة عما نحن فيه من الوجوب كفاية علي خصوص اهل الجدة المستلزم لكون من يفعله من حج في السنة السابقة منهم مؤدياً لواجب، ولو كان مع من لم يحج منهم، وقد صرحت النصوص بان ما عدا المرة تطوّع " 14.
والجواب عنه: ان مقتضي الجمع بين روايات الوجوب في كل عام، وروايات الوجوب مرة واحدة، بروايات حرمة تعطيل بيت الله الحرام عن الحجيج، حمل روايات الوجوب مرة علي صورة عدم لزوم التعطيل وحمل روايات الوجوب في كل عام علي صورة لزوم التعطيل ويكون حاصل الجمع حينئذٍ: ان الحج لا يجب علي اهل الحدة اكثر من مرة واحدة في العمر لكن بشرط عدم لزوم التعطيل، فان لزم التعطيل وجب عليهم الحج مرة اخري حتي لا يلزم التعطيل، وكلما لزم من عدم حج اهل الجدة تعطيل بيت الله الحرام لزم عليهم ان يحجّوا وان كانوا قد اتوا بحجة الاسلام قبل ذلك.