34ويقومون بالتلبيد قبل ذهابهم إلي المواقف. والتلبيد عبارة عن وضع الحاجّ مزيجاً من الخطمي والآس والسدر ومادة صمغية علي شعر رأسه وذلك للحيلولة دون تسريحه ودون قتل القمل، وقد وصف امية بن أبي الصلت الحجاج الذين لتبّدوا بقوله:
شاحِينَ آباطَهُم لَمْ يَنْزِعوا تَفَثاً
ولَم يَسُلُّوا لَهُم قُمْلاً وصِئْباناً 20
المواقف:
الموقف الأوّل، هو عرفة كما ذكرنا إذ يصلونه في اليوم التاسع من ذي الحجة.
وقد ذكروا وجوهاً مختلفة بشأن اسم "عرفة " منها.
أنّ جبرئيل كان يطوّف إبراهيم في المشاعر، ويعلّمه المواضع وهو يقول: عَرَفتُ، ومنها أنّ آدم وحواء بعد الهبوط عرف أحدهما الآخر في هذا المكان، ومنها أنّ الناس يتعارفون في هذا الموضع21.
قال ياقوت: "وقيل: بل سمّي بالصّبر علي ما يكابدون في الوصول إليها، لأن العرف الصبر؛ ويقال: إنّ الناس يعترفون بذنوبهم في ذلك الموقف " 22.
"ويقارن هوتسما ( Houtesma( الوقوف بعرفات بوقوف اليهود علي جبل سيناء، حيث كان يتجلّي معبودهم بالبرق والرَّعد، وان كنّا لا ندري شيئاًعن إله عرفات، ولربّما كان نفسه إله المزدلفة " قُزح " [ إله البرق والعواصف والرّعد والغيث] الذي عبده الأدوميون من قبل ولم يبق من ظواهر عبادته بين الجاهلين إلا إشعال نيرانه بمزدلفة. " 23.
وكان لكلّ قبيلة موقف خاص بها في عرفة، ولم يبق الآن إلاّ أسماء بعضها، لأنّ وحدة صفوف الحجاج في الاسلام دون تمايز، أدّت الي اندثار أسماء تلك المواقف.
من المواقف الخاصّة التي ما زالت باقية موقف نَفْعَة الخاصّ بقبيلة ربيعة والذي ورد في شعر لعمرو بن قَمِيئَةٌ:
و منزلةٍ بالحجّ أُخري عَرَفْتُها
لها نَفْعَةٌ لا يُستطاع ُبروحُها24
كانت قريش وكذلك أهل مكّة يرون أنفسهم أفضل من غيرهم من العرب، فيختارون موقفهم بالقرب من مكان الأضاحي في مزدلفة في موضع اسمه نَمِرة.
وكانوا يعظمون جبل "إلال" في عرفة ويقسمون به، وقد ذكر في شعر النابغة في عدّة أماكن، كذلك أورده طُفيل الغنوي في شعره بقوله:
يَزُرْنَ إلالاً لا يُنَصِّبْنَ غيره
بكلِّ ملَبٍ أشعثِ الرأس مُحرمِ25
وكانوا يطلقون علي الانتقال السريع من عرفة إلي مزدلفة تسمية الإفاضة أو الإجازة، وكان هناك أشخاص يتقدّمونهم ليهدوهم السبيل.
وروي ابن هشام في سيرته " كان الغوث بن مُرّ بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مُضر يلي الإجازة للنّاس بالحجّ من عرفة، وولده من بعده؛ وكان يقال له ولده صُوفَة " 26.
وفي وجه التسمية قالوا: إنّ أُمّة عندما ربتطه بالكعبة وضعت عليه قطعة من الصوف.
وممّا رُوي عن ابن عباس في الحجّ الإبراهيمي، أنّ النبي (صلّي الله عليه وآله وسلّم) منع من الحركة السريعة وأمر بالسكينة إذ قال (صلّي الله عليه وآله وسلّم) : " أيها الناسُ، عليكم بالسكينة، فإنّ البرّ ليس بالإيضاع " 27.