35وكما نقل الأزرقي، فان أول من أسعل النار فوق جبل قُزَح كان قصي ابن كلاب، حيث استمر هذا الأمر حتّي ظهور الاسلام، ولعلّ الهدف من اضرام النيران هناك هو إرشاد الحجاج، إذ كان من الممكن أن يحلّ الظلام قبل أن يصلوا إلي المزدلفة 28.
وكان الجميع يجتمعون في المزدلفة الواقعة بين عرفات ومني، حتي قريش والمكّييون كانوا ينضمّون إلي المجتمعين، وكانوا يمضون الليل بالدعاء والتلبية بانتظار طلوع الشمس، وكان البعض لجعلته يخاطب جبل ثبير الذي تشرق الشمس من خلفه بقوله: " أشْرِقْ ثبير، كيما نُغير".
وتكون الافاضة في الحجّ الابراهيمي من عرفة بعد الغروب، ومن مزدلفة قبل طلوع الشمس، خلافاً الحجّ المشركين.
وقد أشار أبو ذُؤيب الهُذلي إلي مبيت المشركين في مزدلفة، وانتقالهم منها إلي مني في شعرٍ له وصف به حاجّاً مشركاً أدّي أعماله متعجّلاً ليشتري العسل، إذ قال:
فَباتَ بجمحٍ ثم تمّ إلي منيً
فأصبح رادّاً يبتغي المزج بالسِّحل29
إنّ التاريخ لا يحدّثنا بشيء عن سبب الاسراع في العبور من مزدلفة إلي محلّ الهدي بمني، لكنّ بالإمكان الحدس بأنّه كان للحصول علي مكان مناسب، أو للتعجيل في الهدي.
وفي المزدلفة أيضاً كان الصُوفة يقومون بالإضافة، التي كانت تتكفّلها أُسر أُخري من القبائل أيضاً.
موقف مني:
بعد وصولهم مني ينحر المشركون الهدي، ويستمر ذلك من الصباح حتي الغروب. وكانوا يرمون الحجارة في مكانين خاصّين هما المُحصَّب والجمار كي لا يمكن لأهل مكة أن يزرعوا شيئاً فيهما، ومعلوم أنّ هذه الأحجار يجب أن تكون كبيرة لتجعل الأرض غير صالحة للزراعة تماماً، فهي تتفاوت مع الأحجار الصغيرة التي تستعمل في الحجّ الابراهيمي لرمي الجَمَرات.
يبدو أنّ اهل الجاهلية يخرجون من الإحرام بعد النحر والرمي في مني، وهذا المفهوم يُستفاد من شعر نقله الجاحظ في كتاب الحيوان لعبدالله بن العَجْلان.
بعد النحر يتوجّه المشركون إلي الرمي، إلاّ أنّ هذا العمل منوط بإجازة الصوفة الذين يتكفّلون أمر الافاضة من عرفة ومزدلفة، وأُؤلئك لا يرمون حتّي تتقرب الشمس من الغروب 30.
ثمّة بيت في كتاب المفَضّليّات عن الشنفري الشاعر الجاهلي الصعلوك، وردت فيه كلمة الجمار:
قتلنا قتيلاً مُهْدياً بِمُلَبِّدٍ
جمار منيً وسط الحجيج المُصَوِّت31
بعد الفراغ من الرمي، يحبسون الحجاج في العقبة، ولا يسمح لأحد بالحركة حتّي يعبر الصُوفة، الذين بعبورهم يتحرّك الحجاج بعدهم.
وقد بيّن مُرَّة بن خُليف الفهمي، شوق الحجاج للحركة ومنع الصوفة لهم في هذا البيت من الشعر:
إذا ما أجازت صُوفةُ النَّقبَ مِنْ مِني
ولاحَ قتارٌ فوقَه سَفَعُ الدَّم32
تبدأ مراسم الحج، قبل الغروب من اليوم التاسع من ذي الحجة، وبعد عرفة ومزدلفة وإشعال النار فوق جبل قزح، ونحر الهدي ورمي الجمرات، تنتهي عند الغروب، أي إنّهم يكونون قد فرغوا من مراسم الحجّ في ليل العاشر من ذي الحجّة، يبقي دخول مكة والطواف ثم يعود كلّ فرد إلي وطنه بعد أدائهما.