32وعندما تحدّث ديو دورس سيسيلي Diodorus Of Sicily الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد، عن الأنْبَاط، أشار إلي الكعبة بقوله: "إنّه مكان مقدّس له حرمة وشهرة بين جميع العرب، هو مكّة"4.
يعتقد بعض الباحثين، أنّ مفردة "مَكُورابا" ( Macoraba( والتي تلفظ في اليونانية "مقوروبا " ئالتي أراد بها اليونانيون اسم مدينة، وتعني مكان التقرّب لله، تعني مكة. معلوم أنّ كلمة " مَكْرُب " هي مفردة دينية قديمة استعملت قبل ألف عام من تأسيس حكومة السبأ.
وقد أشار بَطْلَميوس ( ptolemy ( الفلكي والجغرافي الذي عاش في القرن الثاني للميلاد إلي هذه المفردة5.
علي هذا الأساس يمكن القول: إنّ مفردة "مكة " تمثّل صفةً ونعتاً لبيت الله ولا تعني اسماً خاصاً. لكنّها أثر الاستعمال والشهرة حلّت مكان الاسم، مثل القدس إذ حلّت الصفة محلّ اسم العلم. وكلمة "بكّة " تعادل "مكّة "، فحسب رأي الدكتور جواد علي أنّ الكلمتين تملثان تسميةً واحدةً، ففي لهجات القبائل تأتي الباء بدل الميم بالقلب والابدال، وبخاصّة في لهجات جنوب الجزيرة العربية 6.
يري بعض المحققين أنّ مفردة "بكّة " تعني الوادي.
إنّ أول بيت وضع للناس للذي ببكّة مباركاً وهُدي للعالمين.
جاء في القاموس: "بكّةُ " تقال لمكّة، أو لما بين جبليها؛ نري أنّ مفردة "بَكْ " سامية قديمة، وكلمة " بُقعاه " عبرية وتعني الوادي، وقد أُطلقت علي الوادي الواقع بين لبنان الساحلي ولبنان الشرقي والذي أسماه الروم سورية المنخفضة.
"وإنّ مدينة بعلبك مشهورة، وهي من الكلمات المركبة تركيباً مزجياً من "بعل" [إله قديم] و"بك" [الوادي] ومعني بعلبك إله الوادي"7: وهو نفس الاسم الذي أُطلق علي هذه المدينة تيمّناً بآلهة الساميين المعروفة ويُطلق اليوم علي هذا الوادي اسم البقاع، والذي يمرّ نهر الليطاني عبره.
أطلق القرآن الكريم علي مكّة اسم " اُمّ القري " 8 و"قرية " 9، قارنها بالطائف: وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلي رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظيمٍ 10.
وقد ذكر أغلب المفسرين أنّ المراد من القريتين هما مكّة والطائف11.
وقال المسعودي في مروج الذهب: " وقد كان إبراهيم قدم إلي مكّة ولإسماعيل ثلاثون سنة حين أمره ببناء البيت "12.
إنّ ما يسترعي الاهتمام من الناحية التاريخية، هو ما نقله مينغانا ( Mingana ( عن راهب سُرياني يدعي نَرْسَيْ ( Narsai ( بشأن نزاع أولاد هاجر في ( بيت عربايه) في الحدود الشاميه، وهذا الخبر يمثل أوّل نقل عن شخص من أهل الكتاب ( تُوفّي في سنة 485 للميلاد) أفاد فيه بوجود قريش في شمال الجزيرة، وهو يتطابق مع ما أورده النّسابون واْلأَخباريون العرب، في إرجاع نسب قريش إلي إسماعيل (عليه السلام)13.
جاء في الآيات (140-150) من سورة البقرة المباركة والتي استنكرت دسائس اليهود بين المسلمين بشأن تغيير القبلة من القدس إلي الكعبة، قوله تعالي: وان الذين أُتوا الكتاب ليعلمون أنّه الحقّ من ربّهم وما الله بغافل عمّا يعملون 14.
وفيه إشارة قبل كلّ شيء إلي علم اليهود بأفضلية الكعبة وأقدميتها، كقبلة. ممّا يعني أنّهم كانوا يقرون قبل ظهور الاسلام بفضائلها وسوابقها واتصالها بابراهيم (عليه السلام) وقد حدّثوا العرب بذلك.
لم يسجّل التاريخ ما يقود إلي اليقين في الحجّ الابراهيمي الصحيح غير ما علّمه القرآن الكريم.
والحجّ الحنيفي الذي يدّعي محاكاة حجّ ابراهيم (عليه السلام) فعلاوة علي أنّه جُعل ليقابل حجّ المشركين وعُمل به في أجواء الشرك الجاهلي، فهو غير واضح، كما أنّ شبهة الشرك تكتنفه في بعض الحالات.