31
الحج الإبراهيمي والحج الجاهلي
تأليف: صادق آئينه وند
لآلِ رَسُولِ الله بِالخَيْفِ مِنْ مِني
"دعبل بن علي الخزاعي"
المقدمة:
إنّ أُصول الحج الإبراهيمي: هي تلك التي شرّعها الدين المبين، ومن الصعب الوصول عبر النصوص والوثائق الباقية - باستثناء القرآن الكريم - إلي شيءٍ يمكنه رسم حقيقة تلك الأصول. ولكن في ضوء تعدد التفاسير، التي تقدمها المذاهب الاسلامية حول أداء الحجّ وفق نهج إبراهيم الخليل ( عليه السلام) ، وكما يدعو إليه الدين المبين، وبالتحديد ما يتعلّق بالنواحي السياسية والاجتماعية والتولّي والتبرّي، نجد من المناسب البحث فيما وصل إلينا عن شعائر الحج الابراهيمي ومناسكه، خصوصاً وان هذه التفاسير لم تكن بمنأي عن التأثر بتقادم الأزمنة وهيمنة الأمويين والعباسيين، والأجواء السياسية والاجتماعية التي ترتبت علي سلطة كلّ منهما، علاوة علي انحياز بعض العلماء والفقهاء الذين عدوّا أنفسهم مرتبطين بجهاز الحكم إبّان العهدين الاموي والعباسي.
إنّ ما يمكنه تفصيل الحجّ الابراهيمي، ونفخ الروح والمحتوي فيه، هو المضامين والمناسك، التي يجب دائماً التمسك بها واللجوء إليها، وبالحضور الديني بالحج تحقيق صدور رؤية إبراهيم الخليل (عليه السلام) ومحمّد الحبيب ( صلّي الله عليه وآله وسلّم) . وإلاّ فانّ التمسك الظاهري في إقامة المراسم والمواسم يذكّر بالحجّ السهل الذي ادّاه أبوسفيان أيضاً. لأنّ الحجّ بالمعني العامّ لا يختصّ به الاسلام، إنّ ما أمر به الاسلام وأصرّ عليه، هو الحجّ الابراهيمي من بين الحجّ الجاهلي والحجّ الحنيفي والحجّ الصابئي.
حجّ إبراهيم ( عليه السلام) :
"والشائع في الأخبار والروايات والعربية القديمة أن الحجّ، علي زمن إبراهيم عليه السلام، كان يعني قَصْدَ كعبة مكّة والطَّوافَ بالبيت والتلبيةَ وقضاءَ بقية المناسك، ثم جاءت الوثنية بأصنامها وبيوتها وعباداتها فصار الحجُّ يشملها أيضاً1.
وَإذْ بَوّأْنَا لإبْرَاهيِمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَ تُشْرِكْ بي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتي لِلْطَّآئِفينَ وَالْقَآئِمينَ والرُّكَّعِ السُجُودِ * وَأَذِّنْ في النّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَ عَلي كُلِّ ضَامِرٍ يأْتيِنَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ 2.
"أنّ إبراهيم وإسماعيل ( عليهما السلام) هما اللّذان بنيا الكعبة بيت عبادة لله، وأنّ حرمة الكعبة ومنطقة مكّة وتقاليد الحجّ وطقوسه المتنوعة في هذه المنطقة من سنن إبراهيم" 3.
وقد إخذ الإقوام الآخرون - الذين عاشوا بألف سنة قبل ميلاد المسيح ( عليه السلام) - بهذه السُّنة؛ فكانوا يراعون حرمة مكة والحرم.
يخمّن خبراء الكتاب المقدّس (العهد القديم والجديد) والمتخصّصون في الأديان، أنّ إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) عاشا نحو ألفي عام قبل الميلاد، وبذلك يكون قد مضي نحو40 قرناً علي الظهور الحديث للكعبة بالبناء الإبراهيمي.