21
مصاديق ((آيات بينات)) :
ثمة آيات بينات في هذه الديار المقدسة، هي بمجموعها دلالة واضحة علي الغيب. انَّ الآية معناها العلامة، وهي بالاصطلاح القرآني علامة صدق الانبياء، فيما يدعون اليه من ربوبية الخالق وعبودية المخلوق.
لقد توفّر الفخر الرازي في تفسيره علي ذكر علامات (آيات) كثيرة تدل علي خصوصية الكعبة وكيفية بنائها49، وهي تتحرك اجمالاً في نطاق هذا المحور، وفيما يلي نستعرض بعض هذه الآيات - العلامات -:
1- انبثاق زمزم ودوام فوران مائها:
ثمة الكثير من الآيات البينات في خصوص بئر زمزم، فماؤها شفاء، وهو لا يفسد حتي لو طالت عليه المدة. ثم انَّ بئراً يبقي ماؤها يفور منذ آلاف السنين، في ارض تفتقر الي الأمطار الغزيرة ولا تكاد تسقط فيها الثلوج الاّ نُزراً، هو بحدّ ذاته معجزة وآية معجزة وآية من الآيات الالهيّة البينة.
أما لو كانت هذه البئر في ارض تغزر فيها الامطار ويتكاثر سقوط الثلوج، لأمكن تفسير دوام انبثاق مائها علي اساس: فسلكه ينابيع في الأرض 50.
ثم انَّ في مائها بركة خاصة، كان رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) يطلبه هدية من القادمين من مكة.
وبئر هذا منبثقها؛ وهذا دوام فوران مائها، وفي مائها البركة والشفاء، بحيث لا يفسد ماؤها ولا يُصاب بالعَفَن، لهي حقاً محفوفة بالمعجزات، بل إنَّ ماءها وحده هو تجلي ل- ((آيات بينات)) .
2- المشعر الحرام.
في أطراف مكة (المشعر الحرام، عرفات، ومني) علامات تتجلي فيها آيات بينات. فرغم انَّ تلك المنطقة بعيدة عن مدار السيل، إلاّ انَّه يكثر فيها الحصي واجزاء الصخر المفَتَّت الي قطع صغيرة، كتلك التي تتركها السيول حين تدهم منطقة صخرية جبلية.
فالحصي هناك كثير، ويكفي ان نتصوّر كثرته بما يحمله كل حاج بمفرده، اذ يحتاج كحدٍ وسط أو أدني الي سبعين حصاة؛ ومع ذلك لا زال الحصي وفيراً لم ينفذ، وفي ذلك وحده معجزة. يقول الفخر الرازي في تفسيره الكبير: ((وقد يبلغ من يرمي في كل سنة ستمئة ألف إنسان - كل واحد منهم - سبعين حصاة، ثم لا يري هناك الاّ ما لو اجتمع في سنة واحدة لكان غير كثير51. وقد يقال الآن: انَّ المسؤولين في الحجاز هم الذين يتولون عمليه رفع الحصي المجتمع وتسطيح الارض مجدداً، ولكن ماذا بالنسبه لذلك الزمان؟ .
3- رعاية الحيوان لحرمة الكعبة:
تسعي الطيور ان لا تحط في أعلي الكعبة كي لا يتلوث المكان بفضلاتها؛ واذا كانت فيي حالة انحدار من الأعلي نحو الارض، فانها تبتعد عن الكعبة بزاوية معينة. وفي ذلك وحده علامة علي آية بينة.
وَ ما ينبغي ان نشير اليه، انَّ عدم تلويث الطيور للمشاهد المشرفة والعتبات المقدسة، هو ظاهرة مشهودة أيضاً، وان كان الأمر يختلف بالنسبة الي الكعبة في تلك الزاوية التي ينحدر بها الطير بعيداً عن الكعبة.
لقد تحدّثوا بمثل هذه الكرامة لحرم الامام امير المؤمنين (عليه السلام) فقالوا: انَّ الطير تراعي هذا الأدب من باب: ((ينحدر عنّي السيل وَلا يرقي اليّ الطير))52
وقالوا عن الحرم المكي أيضاً: انَّ الوحوش لا تعتدي علي بعضها البعض وهي في الحرم، ولا تلحق الاذي بالحيوانات الأليفة.
وما نخلص إليه: ان ثمة الكثير من الشواهد الظنية التي تُفيد ان هذه المنطقة ليست عادية، فالحيوان فيها آمن، والانسان يتحلي بأمن نسبي ملحوظ الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف 53 في حين كان من حولهم . . . ويتخطّف الناس من حولهم، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون 54.