20
الكعبة هي القبلة لوحدها:
لنفترض انَّ الآية الكريمة أشارت الي الارض التي تحيط الكعبة، فمع هذا الافتراض، تكون الاشارة من باب انَّ هذه المساحة تشكل منطقة الحرم. أما ما هو مهم، فهو البناء الخاص؛ أي الكعبة.
وما يقال - علي سبيل التقرير - من انَّ الكعبة قبلة، فذلك في مقابل مَن ذهب للقول: انَّ الكعبة قبلة للقريب؛ ولا هل مكة يكون المسجد الحرام قبلة، أما البعيد فقبلته الحرم المكي برمته 42.
فهذا الرأي خطأ؛ والصواب انَّ الكعبة هي قبلة الجميع سواء منهم القريب والبعيد. والفارق الذي يقال انما يصدق علي جهة الاستقبال.
لقد حث الاسلام النبي والآخرين، علي ان يقولوا في كلِّ الحالات: ((والكعبة قبلتي))43 حتي اضحت هذه الجملة ذكراً يردّده الجميع.
انَّ لجميع الاموات والاحياء شأناً مع الكعبة، فالمحتضر يستقبلها، والميت يدفن باتجاهها. بيد انَّه ليس لاحدٍ من هؤلاء شأن مع مسجد الحرام أو الحرم بنفسهما. اما قوله تعالي: شطر المسجد الحرام 44 فهو من جهة: فلنولينك قبلة ترضبها 45 فالقبلة المتمثلة بالكعبة هي المقصد.
ثم إنَّ الذي يولي وجهه شطر المسجد الحرام حتي يكون قد اتجه إلي الكعبة؛ فالاختلاف اذاً في جهة الاستقبال لا في القبلة نفسها. فالقريب يتوجه نحو البيت ويستقبل بوجهه ((جرم الكعبة)) . أما البعيد فهو يُولي نحو الحرم، الاّ انه يتوجه الي الكعبة.
وبالنسبة لقوله تعالي: وحيث ما كُنتم فولوا وجوهكم شطره 46 فانَّ المقصود هو استقبال المسجد الحرام، لا اتخاذه قبلة. فالمسجد الحرام ليس قبلة بنفسه، ولا الحرم المكي، وانما تقتصر القبلة علي الكعبة نفسها كما اثبت ذلك المضطلعون بالدراسات الاسلامية (الفهية) .
ومن طريف ما يمكن ان يشير اليه هنا، ما ذهب اليه بعض الأكابر من العلماء من انَّ الكعبة بنفسها ليست قبلة ايضاً؛ بل القبلة ماثلة في حيّز الفضاء الخاص الذي تشغله. ورحم الله استاذنا المحقق الداماد الذي كان يكرّر هذه الجملة بدأب: ليست الكعبة هي القبلة، اذ يمكن لهذه ((البُنية)) ان تنهدم أو تنهار في يوم من الايام اثر سيل أو غيره؛ فهل يبقي المسلمون يومئذٍ دون قبلة!
لذلك قالوا: إنَّ القبلة هي ليست هذه البناية والجدران المضلعة، بل هي الفضاء الخاص الممتد ((من تخوم الأرض الي عنان السماء))47. واستدلوا علي ذلك بأن المصلي اذا صلي في مكان منخفض أو مرتفع عن مستوي سطح الكعبة وبنائها، فهو يتوجه في الحالتين الي الفضاء الممتد من تخوم الارض الي عنان السماء، وكون هذا الفضاء قبلة لا يطرأ عليه أي تغيير أو تبديل.
ومن الطريف ان نختم هذه الفقرة بكلمات للفخر الرازي في فضل الكعبة وشرفها انتقلت من بعده الي كتب الآخرين؛ حيث قال: ((ليس في العالم بناء أشرف من الكعبة، فالآمر هو الملك الجليل؛ والمهندس هو جبريل؛ والباني هو الخليل؛ والتلميذ اسماعيل (عليهم السلام) 48 وكفي بذلك فضلاً وشرفاً)) .
بيد انّ مثل هذا الشرف والفضيلة لم يثبتا لبيت المقدس.