2
الحج في حديث الإمام الخامنئي - حفظه الله -
(1)
بسم الله الرحمن االرحيم
الحمد لله ربّ العالمين. والصلاة والسلام علي سيدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
قال الله الحكيم:
وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا البلدَ آمناً واجنُبني وبنيّ أن نعبد الأصنام. ربّ إنهنّ أضللن كثيراً منن الناس فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فإنّك غفور رحيم.
أطل علينا موسم الحجّ، وملأت نغمة التلبيه المتصاعدة من قلوب المشتاقين؛ حرم الأمن الإلهي، وهرعت الشعوب الإسلاميّة من أرجاء المعمورة الي ميعاد الذكر والاستغفار والقيام والاتحاد، وتلاقي الأُخوة المتباعدون. . . اتوجّه الي الله العزيز الحكيم شاكراً خاضعاً، وأحمده حمداً عظيماً عظمَ صفاته الحسني، وأثني عليه سبحانه ثناءً واسعاً سعةَ بحار رحمته، أن وفّق المسلمين المشتاقين مرّةً أخري لأداء هذه الفريضة، وأعلا - جلّ شأنه - بذلك رايةَ العزّة والعظمة علي رؤوس المسلمين في بيته الآمن، واستضاف الحجاج الإيرانيين أيضاً علي مائدة الرحمة والعظمة. إنّ الإنسان ليعجز عن وصف هذه النعمة الكبري وقدرها وإن أُوتي فصاحة اللسان وقوة البيان. ولعلّ الله سبحانه ينير قلوبكم المضيئة المشتاقة فتتجلّي فيها تلك الحقيقة المستغنية عن وسائط القول والكلام.
أيّها االأخوة والأخوات من أي بلد كنتم والي أي شعب انتميتم إنّ ما يهمّني أن أقوله لكم هو أنّ الحجَّ نعمة إلهيّة مَنَّ بها الله سبحانه علي الأجيال المسلمة. وشكر هذه النعمة ومعرفة قدرها يزيدها، والكفران بها ونكران قدرها يسلبها من المسلمين وهو العذاب الإلهي الشديد: ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد.
واعلموا أنّ سلب نعمة الحجّ ليس في عدم توجّه المسلمين لأداء هذه الفريضة، بل في حرمان المسلمين من منافعه التي ال تحصي، وزيادة هذه النعمة ليس في زيادة عدد الحجاج كلّ عام، بل في استثمار منافعه: ليشهدوا منافع لهم.
جدير بنا أن نفكّر جيداً، هل العالم الإسلاميّ استطاع أن يستثمر منافع الحج؟ وما هي هذه المنافع أساساً؟
الحج الصحيح يستطيع أن يحدث تغييراً في المحتوي الداخلي لكلِّ فرد من أفراد المسلمين. يستطيع أن يغرس في نفوسهم روح التوحيد والارتباط بالله والاعتماد عليه، وروح الفرض لكلّ الأصنام الداخلية والخارجية في وجود الكائن البشري، هذه االأصنام المتمثلة في الأهواء والشهوات الدنيئة والقوي الطاغية المسيطرة. الحجُّ يستطيع أن يرسّخ الإحساس بالقدرة والاعتمادَ علي النفس والفلاحَ والتضحية. ومثل هذا التحوّل يستطيع أن يصنع من كلّ إنسان موجوداً لا يعرف الفشل ولا ينثني أمام التهديد ولا يضعف أمام التطميع.
والحجّ الصحيح يستطيع أن يصنع من الأشلاء الممزقة لجسد. الأُمة الإسلاميّة كياناً واحداً فاعلاً مقتدراً، وأن يجعل هذه الإجزاء المتفرقة تتعارف وتتبادل الحديث عن الآمال والآلام، والتطورات والاحتياجات المتقابلة، والتجارب المستحصلة.
ولو أنّ الحجّ وضع ضمن إطار برنامج يتوخّي هذه الأهداف والنتائج وتتضافر عليه جهود الحكومات والعلماء، وأصحاب الرأي والكلمة في العالم الإسلاميّ، لعاد علي الأُمّة الإسلاميّة بعطاء ثرّ لا يمكن مقارنته بأي عطاء آخر في دنيا الإسلام. كما يمكن القول بكل ثقة: إن هذا التكليف الإلهي وحده، لو استثمر استثماراً صحيحاً كما أرادته الشريعةُ الإسلاميّة، لاستطاع بعد مدة غير طويلة أن يبلغ بالأُمّة الإسلاميّة ما يليق بها من عزّة ومنعة.
لابُدَّ من أن نذعن بمرارة الي أن الفاصلة كبيرة بين الشكل الحالي لأداء هذه الفريضة الإلهية والشكل المطلوب. الامام الراحل العظيم بذل جهوداً فعّالة في هدا السبيل، ووضع نصب أعين الأُمّة الإسلاميّة تصويراً واضحاً عن الحجّ الإبراهيمي، حجّ العظمة والعزة، حجّ الرفض والتحوّل. وكان طرح هذا التصوّر بحد ذاته مبعث بركات وافرة في العالم الإسلاميّ. غير أنّ نشر هذه الفكرة وهذا المنهج العملي بين جميع الشعوب المسلمة بحاجة الي جهود مخلصة ينهض بها علماء الدين، ووعي وتعاون يبديه حكام كلِّ البلدان الإسلاميّة، وآمل أن تكون هذه المهمّة الحساسة موضع اهتمامهم و عملهم.