161فالمحراب الذي عينه الرسول المعصوم وشيد تحت اشرافه، كان أمارة شرعية، وعلامة معتبرة لتعيين القبلة، دون أن يتصور فيها أي شبهة أو إشكال.
وعلي هذا فكيف يمكن لأصحاب الهيئة (البطلميوسية) من المسلمين أن يذعنوا بانحراف قبلة المسجد النبوي؟ اللهم إلاّ أن يتخلوا عن عقيدتهم بعصمة الرسول الكريم!
تحقيق المحدث المجلسي في ذلك:
كانت هذه المشكلة عويصة كبري في العصور السالفة بين علماء المسلمين، حتي إن المحدث المحقق المجلسي "رحمه الله " كان مما فرض علي نفسه التحقيق في هذه المسألة: أي انحراف قبلة المدينة المنورة ومسجدها؟ وبعد تشرّفه بها عمل كل ما بوسعه من التحقيق والدراسة حول الموضوع، ولكنه لم يصل إلي أي نتيجة، فلم يتمكن من أن يوفق أو يلائم فيما بين قبلة المسجد النبوي الشريف وبين قواعد الهيئة القديمة، التي كانوا يظنونها طِلّسماً لا ينكسر! وبالتالي فإنه احتمل قوياً - ومضطراً - أن تكون يد متعمدة أو مخطئة قد عملت في العمارات المتعاقبة علي المسجد في زمن الخلفاء العباسيين، فحرفت القبلة عن الموضع الأصلي علي عهد النبي إلي ما هي عليه اليوم ويومئذٍ. من دون أن يتصور أو يحتمل الخطأ في قواعد الهيئة والجغرافية القديمة! .
الخطأ المكتشف:
في حين أن هذا - أي خطأ الهيئة القديمة - هو الواقع والحقيقة، وقد نشأ خطأ القدماء في هذا الحكم من حيث إنهم زعموا أن طول المدينة أقل من طول مكة المكرمة، وقد أخطأوا في زعمهم هذا لأنهم لم تكن لديهم مقاييس وأدوات دقيقة لتعيين طول البلدان وعرضها، بينما علماء الهيئة والجغرافيا اليوم قد حددوا أطوال البلدان وعرضها بمقايس دقيقة حتي المتر ونصفه بل السانتيم والملّيم، فعشروا ضمن ذلك علي حقيقة تساوي البلدين مكة والمدينة تقريباً في خط الطول، وكان مبدأ الطول لدي القدماء "جزيرة فرو" من "الجزر الخالدات" كما مرّ؛ بينما هو لدي المتأخرين مرصد "غرينويش" في لندن، وقد حاسبوا ذلك علي التقديرين، فكان طول البلدين متساوياً تقريباً كما يلي:
طولهما علي مبدإ جزيرة فرو: 57 درجة و57 دقيقة و5 ثواني.
وطولهما علي مرصد غرينويش: 39 درجة و50 دقيقة فقط.
فعلي أيّ تقدير يكون طول البلدين متساوياً تقريباً، وحسب قواعد الهيئة تكون القبلة كما هي عليه في المسجد النبوي الشريف ومحرابه (صلّي الله عليه وآله) فيه.
وبهذا عُلم أن رأي القدماء بانحراف قبلة المسجد ومحرابه كان خطأً ووهماً! بل إن وجود هذا المسجد والمحراب أثر قيّم وشاهد كبير لاثبات علم المعصوم بالهيئة والفلك والجغرافيا والنجوم (*) .
(*) أفدنا في هذه النبذة التاريخية من كتاب: حاجة الأنام إلي النبي والامام بقلم المرحوم آية الله الموسوي اللاري، وتعريب كاتب البحث.