160
نبذة تاريخيّة عن القبلة في المسجد النّبويّ الشّريف
تأليف: محمّد هادي اليوسفي
من وظائف المسلمين معرفة القبلة، وهي الكعبة المعظمة في مكة المكرمة، في الحجاز، من شبه الجزيرة العربية. . فالتوجه إليها شرط في صحة صلواتهم، والتوجيه إليها شرط في حلّية ذبائحهم.
وحسب اختلاف المناطق طولاً وعرضاً وشمالاً وجنوباً تختلف القبلة اختلافاً كبيراً، وتتوقف معرفته علي علم الهيئة والفلك والجغرافية.
قبلة المسجد النبوي الشريف:
ومن المعلوم في تاريخ الاسلام أن رسول الله (صلّي الله عليه وآله) إذ هاجر من مكة المكرمة إلي المدينة الطيبة كان يصلي إلي المسجد الأقصي في مدينة ايليا \القدس الشريف في فلسطين من أراضي الشام، واستمر علي ذلك حتي منتصف السنة الثانية بعد هجرته، حيث نزل أمين الوحي جبرئيل (عليه السلام) فحوّل الرسول في منتصف الصلاة الوسطي (الزوال) من المسجد الأقصي إلي الكعبة المعظمة في المسجد الحرام، فحوّل الرسول قبلة مسجده كذلك إلي نقطة الجنوب تماماً، من دون أي انحراف عنها.
فساد الهيئة البطلميوسية:
وفي أوائل عهد الخلافة العباسية، حيث تُرجمت كتب العلوم اليونانية إلي العربية ومنها كتب الهيئة البطلميوسية، فسادت هذه الهيئة بين الأمة الاسلامية. وكانت نقطة البدء في تعيين خطوط طول البلاد في تلك الهيئة "جزيرة فرو" من "الجُزر الخالدات".
وعليها كانوا يرون طول مكة المكرمة 77 درجة و10 دقائق، وعرضها 21 درجة و40 دقيقة. وطول المدينة 75 درجة و20 دقيقة وعرضها 25 درجة فقط. وعليه فطول المدينة أقل من طول مكة المكرمة بدرجتين و10 دقائق، بينما يزيد عرض المدينة علي عرض مكة المكرمة بثلاث درجات و40 دقيقة. وحيث أن قانون الهيئة يقتضي أن أي مدينة كان طولها أقل من مكة وعرضها أكثر منها مثل المدينة المنورة، فلا تحصل مواجهة القبلة من تلك المدينة إلاّ إذا انحرفنا فيها عن نقطة الجنوب إلي جهة المشرق بازاء كل درجة من الطول 10 إلي 12 درجة بحسب اختلاف الأفق في المناطق، لهذا كانوا يحكمون بأن قبلة المدينة المنورة تنحرف عن نقطة الجنوب إلي جهة المشرق 27 درجة. هذا في حين أن المحراب المبارك في المسجد النبويّ الشريف كان ولا يزال مواجهاً لنقطة الجنوب تماماً من دون أي انحراف.