152وفي الميقات يدخل الأنا في هذه التصفية الإِلهية، ويلزم الإِحرام التخلي - في فترة الإِحرام - عن هذه الخصلة، ويحرم عليه الطيب والتجمل، حتي بالنسبة للنساء، فيما يتجاوز الحد المألوف للمرأة في التجمل، وذلك لتمكين الإِنسان من هذه الخصلة التي تشكل حالة تظاهر للأنا، وحالة ترف تؤثر تأثيراً سلبياً علي إرادة الإِنسان، وقدرته في مواجهة متاعب الطريق، إذا لم يعمل علي تعديل وتهذيب هذه الخصلة، وإرجاعها إلي نصابها الممدوح، الذي يقره الإِسلام ويأمر به.
سلطان الهوي والشهوات:
وفي الميقات يمر الأنا بتصفية ثالثة، وهي تخليص الإِنسان من سلطان الهوي والشهوات والغرائز، وهي مسألة في غاية الدقة في الإِسلام فقد قلنا إنّ تخليص الإِنسان من سلطان الهوي والشهوات، ولم نقل من الهوي والشهوات ذلك لأن الإِسلام لا يكافح الأهواء والشهوات في نفس الإنسان، وإنما يعتبرها ضرورة من ضرورات الحياة ومن دونها تختل الحياة، وإنما الذي يكافحه الإسلام هو سلطان الهوي، والشهوات علي الإنسان وإرادته، وليست الأهواء والشهوات في حدّ ذاتها مصدراً للانحراف والسقوط في حياة الانسان، وإنما الانحراف والسقوط يأتي من ناحية سلطان الهوي علي إرادته، فإذا تمكنت الأهواء منه، وتحكمت الشهوات عليه وخضع واستسلم لها، عند ذلك فقط يتمكن الشيطان منه، ويتعرض الانسان للسقوط والانحراف. ولذلك فإن النهج الإِسلاميّ في التربية يعمل علي ترويض الأهواء والشهوات وتطويعها لارادة الإِنسان، وتمكين الإرادة منها، دون أن يكافحها ويحاربها ويستأصلها ويصادرها.
والصوم نموذج واضح لهذا المنهج التربوي. والميقات هو الآخر يقع في هذا الخط التربوي. ففي الميقات يتعرض الانسان لتصفية واسعة في (الأنا) و (الهوي) ، ويمتص الميقات من نفس الانسان سلطان هاتين الخصلتين، ويسمح له بالدخول في رحاب ضيافة الله - تعالي - بعد أن يجرده من هذه النزعة الحيوانية التي تطغي علي تصرفاته وتحكم إرادته وفعله.
والهوي عندما يحكم الإِنسان يتحول إلي مصدر للشرّ في علاقاته وحياته الاجتماعية، ويسلب الأمن والسلام في حياة الناس، فليس ما بين الناس من خلاف وصراع وصدام مصدره الاختلاف في الرأي غالباً وإنما يعود السبب في نسبة كبيرة وواسعة في هذه الخلافات إلي عامل الهوي في العلاقات الاجتماعية وللإِمام الخميني (قدس سره) كلمة ذات دلالة عميقة فيما يقول قدس سره: (لو أن مئة وأربعة وعشرين ألف نبيٍّ عاشورا في مكان واحد لما اختلفوا فيما بينهم، لأنه لا سلطان للهوي في نفوسهم) .