14والمعماري للكعبة، ثم كان علي ابراهيم ان يضطلع بمهمة التنفيذ والبناء، حيث جاء في تتمة الخطاب الالهي: ألاّ تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين واالقائمين والرّكع السجود 19.
بين الكعبة وبيت المقدس:
انَّ لبيت المقدس قدسيته ومكانته، إلاّ اننا لا نجد في القرآن انَّ الله - سبحانه - ينسبه الي نفسه في الكيفية، التي نتلمسها في الكعبة والتي تختص بها دون غيرها، كما في قوله تعالي: بيتي وبيت الله.
بعد ان اقام ابراهيم البيت، جاءه الخطاب الالهي: وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً 20 انَّ جملة يأتوك هي جواب الامر، بمعني سيأتون في المستقبل. وَ هؤلاء سيأتون باي كيفية ممكنة، فمنهم المشاة، ومنهم من يأتي وعلي كل ضامر أي الهزيل من النوق وغيرها.
وبه يتضح انَّ الملبين للنداء الإبراهيمي، منهم من يأتي مشياً، ومنهم من يأتي راكباً علي كل ضامر. أما اولئك الذين لهم القدرة ان يركبوا علي غير الهزيل الضامر، فان حظّهم في الاستجابة للنداء أقل من غيرهم.
وفي كل الاحوال، فانَّ الملبين للنداء سينطلقون من كل مكان يقصدون البيت. يأتين من كلّ فجٍ عميق21 .
يتضح من سياق الآيات انَّ ابراهيم (عليه السلام) طوي مراحل متعدّدة بامر الله تعالي. فبادئ الامر تعرف علي ارض مكة، ثم ترك فيها زوجته وولده، وطلب من ربه ان تكون لهما بلدة آمنة.
وحين عاد اليها مجدداً رآها وقد آلت الي ان تكون ((بلدة)) فكرّر دعوته في ان يجعلها أمناً وأماناً. ثم جاءه الخطاب بتشييد قواعد البيت، وفي الاثناء توجه الي ربّه بدعائه: تقبّل منّا انَّك انت السميع العليم22.
وحين بُنيت الكعبة وصفها تعالي بقوله: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس23 ولم يقتصر الامر علي الكعبة وحدها في ان تكون حراماً، وعنصر قيام للناس، وانما اتسع المكان ليشمل الحرام، وامتد الزمان ليستوعب الشهر الذي يتم فيه الحج، فكل ذلك، وما يتخذ الناس من الهدي والقلائد اصبح شعاراً وقياماً للناس. والشهر الحرام والهدي والقلائد 24 لقد ذكر الطبري في تفسيره للآية، أ نّ البيت كان قواماً للناس في الجاهلية، حتي وهم لا يرجون جنة ولا يخافون ناراً، فشدَّد الله ذلك بالاسلام. ثم اضاف: ((كان الرجل لو جرّ كل جريرة، ثم لجأ الي الحرم لم يتناول ولم يُقرب. وكان الرجل لو لقي قاتل ابيه في الشهر الحرام لم يعرض له ولم يقربه)) .
بل زاد الامر علي ذلك بعدم التعرض للحيوان اذا قُلِّد بقلادة، اذ يصبح في امان حتي وهو يأكل من علف غير صاحبه.
وبشكل عام، كانت معالم الامن ظواهر واضحة، يمكن تلمسها والاحساس بها لزوّار البيت الحرام.
القبلة الي البيت المقدس:
ليس ثمة شك، أن بيت المقدس اضحي قبلة من عصر سليمان (عليه السلام) فما بعد، فسليمان هو الذي وضع تصميم بيت المقدس وقام ببنائه.
لقد كان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) ، حين كان في مكة، يتوجه علي خطٍ واحد الي الكعبة وبيت المقدس، حيث كان يقف في كيفية تجمع بين القبلتين.
ومثل هذا الجمع كان سهلاً في مكة؛ لأنَّ بيت المقدس يقع في شمال غربي الكعبة، ورسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) يقف في جنوب الكعبة فيكون بممقدوره ان يجمع القبلتين علي خطٍ واحد.
اما في المدينة فقد اختلف الامر تماماً، لذلك كان يقصد بيت المقدس قبلة حين الصلاة بعد ان تعذّر الجمع بينه وبين الكعبة، بل كانت الكعبة تقع الي وراء ظهره.