133قوله تعالي: وفي هذا .
قال اغلب المفسرين: المراد به وفي القرآن، وذلك إنسجاماً مع إرجاعهم الضمير (هو) إلي الله تعالي. وقد تبين لنا أن الصحيح هو رجوع الضمير إلي إبراهيم، وحينئذ لا وجه للمعني الذي ذكروه.
ونحن نري أن المراد ب- (هذا) هنا معني (ذلك) أي وفي ذلك الدعاء الإِبراهيمي الذي سماكم به مسلمين.
قال الفراء: [(هذا) و (ذلك) يصلحان في كل كلام إذا ذكر، ثم اتبعته بأحدهما بالاخبار عنه ألا تري أنك تقول: قد قدم فلان فيقول السامع: قد بلغنا ذلك، وقد بلغنا هذا الخبر، فصلحت فيه (هذا) ؛ لأنه قد قرب من جوابه فصار كالحاضر الذي نشير إليه، وصلحت فيه (ذلك) لانقضائه، والمنقضي كالغائب. وقد قال الله عزّ وجلّ: وعندهم قاصرات الطرف أتراب ثم قال: هذا ما توعدون ليوم الحساب 52 - 53/38 وقال جلّ ذكره: وجاءت سكرة الموت بالحق ثم قال: ذلك ما كنت منه تحيد 19/50 فلو قيل في مثله من الكلام: في موضع (ذلك) (هذا) أو في موضع (هذا) (ذلك) لكان صوابا](23) .
قلت والنكتة واضحة في عدول القرآن عن استعمال (ذلك) في هذا المورد ومجيئه ب- (هذا) بدلا عنه وهي الاشارة إلي تحقق دعاء إبراهيم. وإذاً قوله: هو سماكم المسلمين من قبل إشارة إلي دعاء إبراهيم عند رفع القواعد من البيت، لذرية إسماعيل في مكة في المستقبل البعيد جدا، (إذ بين إبراهيم حين دعا وبعثة محمد (صلّي الله عليه وآله وسلّم) ما يقرب من 2500 سنة) وقوله: وفي هذا إشاره إلي تحقق الدعاء وظهور النبيّ وأول الأمة المسلمة. وقوله: لتكونوا شهداءَ علي الناس ويكون الرسولُ عليكم شهيداً. . . 143/2 قرينة علي إرادة هذا المعني من المجيء بلفظ (هذا) بدلا من لفظ (ذلك) . فقد انتقل الحديث من ذكر دعاء إبراهيم - بأن يرزق الله إسماعيل أمة مسلمة، يبعث فيها نبيّاً يتلو عليهم آياته - إلي خطابٍ لهذه الأمة التي أخرجها الله إلي الوجود.
الآية الثالثة:
قال تعالي: ألم تر إلي الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا. أُنظر كيف يفترون علي الله الكذب وكفي به إثما مبينا. ألم تر إلي الذين أُتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجِبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدي من الذين آمنوا سبيلاً. أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً. أم لهم نصيب من الملك فإذاً لا يُؤتون الناس نقيراً. أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما. فمنهم مَن آمن به ومنهم مَن صدَّ عنه وكفي بجهنم سعيراً. إنّ الذين كفروا بآياتنا سوف نُصليهم ناراً كلما نضِجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذقوا العذاب إنّ الله كان عزيزاً حكيماً. والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا. إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلي أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إنّ الله نعما يعظكم به إنّ الله كان سميعاً بصيراً. يا أَيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلي الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً. أَلم تر إلي الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلي الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالا بعيداً. وإذا قيل لهم تعالوا إلي ما أنزل الله وإلي الرسول رأيت المنافقين يصدّون عنك صدوداً 49 - 61/4.
قوله تعالي: يزكون أنفسهم أي يثنون عليها ويصفونها بالفضل علي الناس وهم اليهود والنصاري كما في قوله تعالي: وقالت اليهود والنصاري نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. . . 18/5 وقريش أيضاً وقد كانت تسمي نفسها (آل الله) و (أهل الله) (24) .