132قوله تعالي: هو اجتباكم أي هو اصطفاكم كما في قوله تعالي: وكذلك يجتبيك ربك أي وكذلك يصطفيك ويختارك. وفي الحديث أنه اجتباه لنفسه أي اختاره واصطفاه وهو مشتق من جبيت الشيء إذا خلصته لنفسك (20) .
قوله تعالي: وما جعل عليكم في الدين من حرج أقول: الدين هنا بمعني الطاعة.
والحرج: قال ابن الأثير: الحرج في الأصل الضيق و يقع علي الاثم والحرام (21) أي ما جعل في طاعتكم له ضيقا مهما كان أمره، حتي لو أمركم بذبح أنفسكم، أي شرح صدركم للطاعة التامة، كما في قوله تعالي: فمن يُرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يُرد أن يُضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصّعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس علي الذين لا يؤمنون 125/6.
قوله تعالي: ملة أبيكم إبراهيم أي دين أبيكم وطاعته حيث لم يكن منه ضيق وحرج حتي عندما أمرناه بذبح ولده اسماعيل اختباراً، والآية تشير إلي تسمية هذه اْلأُمة المسلمة والنبيّ والمبعوث فيها من ذرية إسماعيل ب- (بني إبراهيم) و (آل إبراهيم) .
قوله تعالي: هو سماكم المسلمين من قبل .
ذكر المفسرون في مرجع الضمير (هو) إحتمالين: الأول الله تعالي، الثاني إبراهيم.
وقد رجع أغلبهم الاحتمال الأول، وذلك لأنهم حملوا المخاطب في قوله: يا أيها الذين آمنوا في صدر الآية علي عموم المؤمنين، سواء كانوا من ذرية إبراهيم أو لم يكونوا، ومعه اضطروا إلي أن يقدموا تعليلا لوصف إبراهيم بأنه (أبّ للمسلمين) أي لكل المسلمين بالمعني الاصطلاحي للإسلام.
قال العلاّمة الطباطبائي (ره) : وإنما سمي إبراهيم أبا للمسلمين لأنه أوّل أسلم (22) .
قلت: ويرد علي هذا التعليل، أن نوحاً أمره الله تعالي بالإسلام قبل إبراهيم قال تعالي حاكيا عنه: وأُمرت أن أكون من المسلمين 72/10. وأخبر عن إبراهيم أنه من شيعة نوح كما في قوله: وإنّ من شيعته لإبراهيم 83/الصافات، أي أن إبراهيم كان من ذرية نوح التي سارت علي ملته وطريقته وهي الإِسلام، وقال عن إبراهيم (عليه السلام) : ومن يرغب عن ملّة إبراهيم الا من سفه نفسه. . . إذ قال له ربُّه أسلم قال أسلمت لرب العالمين 130 - 131/2.
ونحن نرجح الاحتمال الثاني، وهو أن يكون مرجع الضمير إبراهيم فتكون الآية إشارة إلي دعاء إبراهيم المشار إليه في قوله تعالي: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل. . . ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أُمّة مسلمة لك. . . ربَّنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم. . . 127 - 129/2. والإِسلام في كلا الموردين هو الإِسلام بمعناه اللغوي دون الاصطلاحي، ويحمل المخاطب في قوله: يا أيها الذين آمنوا علي إرادة خصوص الذين جعلهم الله شهداء علي الناس من ذرية إبراهيم بعد خاتم الأنبياء، دون كلّ المؤمنين به من ذرية إبراهيم، ولا عموم من أسلم بالمعني الاصطلاحي.